أصبحت مقابر العاصمة في وضعية لا تحسد عليها، بسبب غياب الحس المدني ولامبالاة بعض المواطنين بحرمة الموتى المنتهكة، بسبب تحول أغلبية المقابر إلى مفارغ عمومية ومأوى للأحياء، لاسيما منهم السكان الذين قاموا بتوسيع نسيجهم العمراني على حسابها، كما أصبحت وكرا للشباب المنحرف لممارسة الممنوعات في غياب حراسها. ومن جهة أخرى، تبقى أعين السلطات المحلية بعيدة عن هذه الأماكن التي ضاقت بموتاها، وأخرى تعيش خطر نزوح البناءات الفوضوية وتلك الموجودة على ضفاف الوادي، وهو الأمر الذي وقفت عليه “المساء” في خرجتها الإستطلاعية. تحولت المقابر في السنوات الأخيرة، إلى “أسواق عمومية” ومكان تنتهك فيه الحرمات أمام أعين الناس والسلطات المختصة، حيث أصبحت مقصدا للعامة والخاصة، ولاتحترم فيها تعاليم الدين التي تحث على صيانة حرمة الموتى، لأن زيارتهم تكون فقط لقراءة الفاتحة عليهم والدعاء لهم بالخير، بدل تحويلها إلى مكان للرذيلة ورمي النفايات ومقر للمتشردين.
قبور تجرفها المياه الملوثة وأخرى تتحول إلى ورشة بناء لم تسلم أغلبية المقابر بالعاصمة من تجاوزات المواطنين، من خلال استغلال بعض المساحات لبناء سكنات فوضوية، بعد فشلهم في الحصول على سكنات إجتماعية، وهو الأمر الذي وقفت عليه “ المساء” خلال زيارتها لبعض المقابر، كما هو الحال بمقبرة الحميز، مقبرة بوروبة، وكذا الجهة الخلفية لمقبرة العالية، حيث استغل بعض السكان اتساع مساحتها لتشييد بنايات في غياب الحراسة والأمن والمراقبة من طرف الجهات المعنية، وقد أكدت شهادات المواطنين أن المقابر لم تعد صالحة للدفن بسبب انتشار البناءات الفوضوية، حيث قالت إحدى السيدات التي التقيناها وهي تزور قبر أمها؛ تعرضت القبور للتلف بسبب أشغال البناء التي اقتطعت مساحة كبيرة من المقبرة قائلة: “كلما نزور المكان، نلاحظ بناءات جديدة الإنجاز، إلى جانب توسعات عمرانية فوضوية على حساب المقبرة، مما يعني انتهاك حرمة الموتى”. بدورها، تعرضت مقبرة الخرايسية للتلف حسبما أكده لنا رئيس جمعية الحي وأصبحت بقايا الهياكل العظمية متناثرة هنا وهناك، بعد أن أقدمت “مافيا العقار الفلاحي” على تحويل المقبرة الكائنة بالقرب من المستثمرة الفلاحية المتواجدة ب«حوش فامينياس” إلى ورشة للبناء، وحسب شهود عيان، فإن القضية كانت قد أثيرت العام الماضي حين باشر المستفيدون من القطع الأرضية بالخرايسية في أشغال الحفر، مما أدى إلى تدخل أعوان الدرك الوطني رفقة السلطات المحلية من أجل وضع حد للأشغال. من جهة أخرى، أكد ممثل حي الحميز بالدار البيضاء أن المقبرة ضاقت بموتاها بسبب المساحة التي استولى عليها السكان لبناء بيوت فوضوية، وتصبح بالتالي المعادلة متكافئة بين الأحياء والأموات، إن الأرض لم تعد تسعهم، يقول ممثل الحي ل “المساء”، في حين تسببت المياه الملوثة القادمة من وادي الحميز، بجرف رفات بعض الموتى بمقبرة سيدي دريس، في حي علي الصادق ببلدية برج الكيفان، وأكد لنا بعض السكان أن هذه المياه الناتجة عن الفيضانات جرفت ما يزيد عن 200 قبر، وإن استمر الوضع على ذلك، فإن المقبرة ستهدّد بالزوال نهائيا.
مقبرة العالية مقر للمتشردين، المنحرفين والمشعوذين كما تحولت مقبرة العالية إلى مرتع للمنحرفين، المتشردين والمتسولين الذين استغلوا المقبرة لينتشروا فيها في كل جهة، خصوصا في المناسبات الدينية والأعياد، حيث أكد حارس البوابة ل “المساء”، أن مقبرة “العالية” تعد من المقابر العتيقة في الجزائر العاصمة، حيث تتربع على مساحة تقدر بحوالي 80 هكتارا، تم عقد ملكيتها سنة 1936، وهي بحاجة لأعوان يسهرون على حراستها ليلا ونهارا، نظرا لشساعتها، حيث توجد فيها أبواب عديدة، وبالتالي يصعب منع دخول الغرباء إليها، حيث أصبحت مكانا للشباب المنحرف، ليلا، لتعاطي الممنوعات، كما أن كثرة المتشردين شوه منظر المقبرة، لأنهم احتلوا الأرصفة والمداخل والبعض منهم ينام بداخلها، لذا يتوجب على السلطات المعنية أخذ الأمر بعين الاعتبار. من جهة أخرى، أكدت شهادة بعض المواطنين الزائرين للمقبرة، أنهم يجدون فضلات الأكل والشرب بجانب قبور ذويهم، كما أنهم شاهدوا قارورات الكحول منتشرة على جوانب المقبرة، وأكد بعض المواطنين أن المقابر تعرضت للنبش، وهو الأمر الذي لم يستوعبه العامة بعد، فيما اعتبر البعض منهم أن العملية جاءت بفعل فاعل، وهي من اختصاص المشعوذين والسحرة الذين مازالوا يستغلون هذه الأماكن لتنفيذ أعمالهم الشيطانية الدنيئة، وهي الحالة التي وضعت المواطنين في حيرة من أمرهم وأصبحوا يطالبون السلطات المعنية، ويُقصد بها مؤسسة تسيير المقابر، بالنظر بجدية في الأمر وإعادة الإعتبار لقبور موتاهم.
سيول الأمطار تهدد بجرف القبور في عين البنيان تشكل السيول الجارفة خطرا حقيقيا على حرمة الموتى بمقبرة عين البنيان غرب العاصمة، حيث صارت سيول الأمطار تهدد بجرف الرفات وإخراجها من القبور، كما تسببت الأمطار في هدم الجدار الفاصل بين المقبرة والحي المجاور، مما جعل الأوحال تغمر جزءا منها، الأمر الذي رفضه المواطنون الذين يزورون موتاهم ويجدون صعوبات في الوصول إلى قبورهم، علما أن مقبرة عين البنيان ضاقت بموتاها ولم تعد تتسع لدفن الموتى الجدد. وفي هذا الصدد، ذكر لنا أحد المواطنين أن الجهات المعنية مطالبة بتوسيع المقبرة التي امتلأت عن آخرها، أو اقتراح إنشاء مقبرة أخرى ليتمكن مواطنو البلدية من إكرام موتاهم، مشيرا إلى أن المساحات الفاصلة بين القبور صارت قبورا بدورها، وبالتالي لم يعد ممكنا للأهالي السير بينها، وذكر لنا مواطن آخر أن السيول القادمة من الأحياء العليا صارت تشكل خطرا كبيرا على حرمة الموتى، لأن القبور غرقت في الأوحال، وعلى الجهات المعنية أن تقوم ببناء السور المهدم وتحويل مسار السيول بطريقة لائقة قبل أن تسوء الأوضاع أكثر، مشيرا إلى أن سرعة المياه المتدفقة من الجهة الشمالية هدمت جزءا كبيرا من السور، وأن العديد من السكنات المحاذية للمقبرة بات يهددها خطر انجراف التربة، مما يتعين على المصالح المعنية الإسراع إلى تهيئة الحي وإزالة مسببات الفيضانات.