من الموروث الثقافي الذي تزخر به الجزائر ويلبس في الأعراس، عقد جميل جدا يسمى “السخاب”، وهو عبارة عن عقد بلون بني قاتم وأسود أحيانا، تنبعث منه أجمل الروائح من مسك وعنبر يرافق جميع أكسسورات العروس ويتماشى مع الزي التقليدي لمنطقة الشرق الجزائري المسمى “الجبة النايلية”، كما أنه أضحى يتماشى مع الألبسة التقليدية الأخرى للتجديد الذي أدخل عليه... تتميز منطقة الشرق الجزائري بالعديد من التقاليد التي ما تزال الأسر تتمسك بها حفاظا على الهوية الوطنية، وعلى رأسها الحلي التقليدية التي تصنع يدويا ومنها ‘'السخاب''، الذي يتميز حقيقة عن باقي الحلي الجزائرية، ليس من حيث الشكل فحسب، وإنما يزداد عنها برائحة مميزة عطرة يلفت إليه الأنظار. علما أنه شرط أو ركيزة أساسية في مكونات جهاز العروس بمختلف مناطق الشرق الجزائري، وهو عبارة عن عقد طويل متكون من أحجار تطلق رائحة طيبة وتختلف ألوانها من الأسود إلى البني الغامق إلى الأخضر الداكن. تحدثنا السيدة بن عيسى جنة رئيسة جمعية “18 فبراير لترقية جميع النشاطات النسوية” عن هذه الحلي التقليدية، فتقول أنها ميزة المرأة الجلفاوية والشرق عموما بامتياز “انه حلي يلبس بصفة ضرورية مع الروبة (الفستان) النايلية”. مضيفة ان “السخاب تصنعه المرأة متبعة عدة خطوات، ولذلك فان أسعاره قد تظهر للبعض أحيانا غالية بعض الشيء، هذا إضافة الى ارتفاع سعر المادة الأولية مما ينعكس على السعر النهائي ل ‘'السخاب'' الذي قد يتجاوز أحيانا عتبة 10 آلاف دينار، كما قد يتجاوز هذا السعر إذا تمت إضافة بعض القطع الذهبية إليه”. أما عن طريقة صنع السخاب، فأوضحت السيدة بن عيسى جنة أنه يتكون من مادة القمح والطيب والقرنفل تعجن جميعها بالسَنْبَل، وهي عشبة حينما تطحن تطلق رائحة طيبة، كما قد يستعمل المسك الطبيعي لإذكاء رائحة طيبة كذلك. ورائحة السخاب تختلف ولونه باختلاف نوع المسك المستخدم في عجنها، فهناك الأسود والأصفر والبني القاتم والفاتح والأخضر الداكن، وتستعمل كذلك التارة، وهي حبة تشبه الزيتون تحرق في الرمل ثم تُسْمد أي تطحن جيدا وتضاف إلى الخليط وتعطي بذلك رائحة قوية تعطر الحلي في الأخير. بعد ذلك تصنع من الخليط حبات في شكل حبة قمح لكنها أكبر من ناحية الحجم وتثقب الحبات بعود الحلفاء وتترك لمدة طويلة حتى تجف تماما، وبعد أن تجف ترص الحبات في العقد ويضاف إليها نوع من “العقاش” يسمى “الزغديد”، وبهذا يكون السخاب جاهزا تماما. يستطيع السخاب المحافظة على رائحته المميزة لما يزيد عن السنة، كونه مصنوعا من مواد طبيعية مائة بالمائة، تقول محدثتنا. مشيرة إلى أن هذه الحلي تعتبر قطعة أساسية لزينة المرأة سواء العروس التي يمكنها أن تتزين بقطعتين منها إلى ثلاث قطع أو المرأة عموما والفتيات اللواتي أصبحن يطلبن التجديد في السخاب، بمعنى جعل لونه يتماشى عموما مع لباسهن وأزيائهن، ومنه كانت فكرة إضافة اللون الفضي أو الذهبي وحتى الأزرق السماوي في خلطة صنع السخاب لإرضاء جميع الأذواق، تقول السيدة بن عيسى جنة، مضيفة “الصنعة التقليدية هي في الواقع امتداد لحاضرنا، أورثها لنا الأجداد ونحن نحافظ على الأمانة ونورثها بدورنا للأجيال اللاحقة”.