أصدرت مديرية الثقافة لولاية المدية كتابا بعنوان ”الدكتور محمد بن شنب والثقافة الشعبية”، يتضمن سلسلة محاضرات المتلقى الوطني الخاص ببن شنب، كانت قد احتضنته عاصمة التيطري. تعتبر الظاهرة البنشنبية نموذجا يستحق الدراسة والبحث في مختلف المجالات والجوانب، وذلك لثرائها بمواقف وأحداث شتى، إضافة إلى إبراز مآثرها في الفقه، الأدب، علوم الدين، اللسانيات، التراجم، السير، التاريخ والأمثال الشعبية، وتحقيق المطبوعات، المخطوطات والترجمة لعديد اللغات من وإلى العربية. سجل التاريخ لهذا الصرح العلمي عديد الصولات والجولات في مناظرة المستشرقين، محاورتهم ومجادلتهم، فأعجز بوافر علمه وبلاغة لسانه وكريم خلقه، فكان رجلا عاشقا لوطنه، متمسكا بعروبته وإسلامه وانتمائه. للإشارة، فقد توقف هذا المتلقى عند الثقافة الشعبية في فكر العلامة محمد بن شنب، باعتبارها ركنا ركيزا في فهم واستيعاب تاريخنا الثقافي والاجتماعي، وكذا التعرف على مدى اهتمام الراحل بن شنب بدراسة الثقافة الشعبية ومدى مساهمته فيها، وكيف تعامل معها في ظل الهيمنة الاستعمارية، حاول ملتقى ”الدكتور بن شنب والثقافة الشعبية” من خلال مداخلات كوكبة من المختصين، أن يجيب على هذه الإشكاليات وغيرها في محاولة جادة للاقتراب من فكر هذا العلامة الموسوعي. تضمن الكتاب كلمة رئيس الملتقى، الدكتور عبد الحميد بورايو، ومما جاء فيها؛ ”إن الوسط الثقافي والجامعي تنبه إلى أهمية ما أنجزه بن شنب في العديد من مجالات المعرفة الإنسانية، مثل دراسة التراث اللغوي والأدبي، مع التركيز على الخصوصية المغاربية ممثلة في التراث الأندلسي، ودراسة التراث الشعبي ممثلا في أشكاله التعبيرية المختلفة، الأمثال، الأشعار، العادات والتقاليد، العربية والدارجة”. في الكتاب محوران؛ أحدهما عن ”مفهوم الثقافة” وقدم فيه العديد من الأساتذة المحاضرين إسهاماتهم، منهم مثلا الأستاذ محروق اسماعيل من جامعة المدية، الذي أكد على دور بن شنب في تحقيق المخطوطات والمحافظة وجمع التراث المعنوي النفيس في مرحلة عصيبة مرت بها الثقافة الشعبية، بمحاولة طمس عناصر هويتها الثقافية وإلباسها ثوبا تبشيريا على يد مجموعة من المستشرقين لخدمة أغراض استعمارية توسعية. كما أشار الأستاذ محروق إلى أن ابن شنب قاد مقاومة ثقافية ضد الاستعمار، مستعملا سلاح إبراز الثقافة الوطنية العربية الإسلامية الأصيلة وإظهار التباين بينها وبين الثقافة الفرنسية الاستعمارية، ساعده على ذلك تكوين علمي رفيع المستوى، وإتقان متعدد للغات، دراية بفن التحقيق، واطلاّع على أسرار المنهج وخباياه عند المستشرقين، وهذا ما لم يتح لغيره من المفكرين والمحقيين. إن اهتمام العلامة بصناعة الفهارس باختلاف أنواعها (فهرس الأعلام، فهرس الرجال والنساء، فهرس الأماكن، الجبال والأنهار، فهرس القبائل، فهرس الكتب..) وإحكام تنظيمها دليل قاطع على أن رسم خريطة التراث الوطني الأصيل لتسهيل عملية الاطلاع عليه، وبالتالي دراسته. ضمن هذا المحور من الكتاب (الملتقى)، قدمت الباحثة عائشة ملكار محاضرة عن ”صورة المرأة في الثقافة الشعبية من خلال عينة من الأمثال في كتاب أمثال الجزائر والمغرب لمحمد بن شنب”، وقد وجدت الباحثة صورة المرأة الجزائرية سلبية، أو على الأقل، هذا ما رسمت لها هذه الأمثال من صورة ظاهرية تبرز الصفات السيئة للأنثى. المحور الثاني من الكتاب خاص ب”مستقبل الثقافة الشعبية”، ونجد فيه محاضرة مطوّلة للدكتور عبد الحميد بورايو عن ”مكانة كتاب أمثال الجزائر والمغرب” لمحمد بن أبي شنب بين مصنفات الأمثال الشعبية الجزائرية”، والذي قال عنه أنه مصنف يحوي على 3127 مادة مثلية تم تسجيلها بصيغها التعبيرية الأصلية، مرتبة وفق التسلسل الأبجدي لحروفها الأولى، مترجمة إلى اللغة الفرنسية، موثقة من حيث مصادرها، مشروحة من طرف المصنف ومعلق عليها. يمثل المصنّف - حسب بورايو - ثروة لغوية هامة يعتمد عليها الدارسون في التعرف على اللغة العربية الدارجة المستعملة في حواضر البلدان المغاربية في النصف الأول من القرن ال 20م. أما الباحث لعمي عبد الرحيم من جامعة المدية، فتحدث عن ”مستقبل الثقافة الشعبية في ظل تحديات العولمة”، حيث أكد أن المنظومة الفكرية العالمية أدركت قيمة الثقافة الشعبية من حيث أنها الوعاء الذي يحوي الطرح الهوياتي والحضاري، ومن ثم فإن الاهتمام بالثقافة الشعبية، أي بمظاهرها المادية والمعنوية، هو اهتمام بأصالة الشعب وبأصوله الحضارية، التاريخية والثقافية، فالحفاظ على مواد الثقافة الشعبية وصيانتها، هو في الحقيقة حافظ على الهوية الشعبية وصيانتها من التشويه والاندثار. طرح الباحث في خاتمة عرضه سؤالا خاصا بمصير الثقافة الشعبية أمام شبح العولمة، وماهي الإجراءات التي يمكن تفعيلها لحماية الثقافة الشعبية والرسمية من مخاطر العولمة، ومن بين الإيجابات التي توصل إليها، نجد التفعيل الحقيقي لمظاهر الثقافة الشعبية، لأنها تعطي لكل مجتمع عناصر التميّز والاستقلالية وتقوي الوحدة الوطنية، وذلك لتنوعها، وإنشاء المخابر ومراكز البحث التي تتكفل بمواد الثقافة الشعبية، مع تسخير الوسائل السمعية البصرية الضرورية ومسح شامل لكافة مواد الثقافة الشعبية على المستوى الوطني، وإنشاء بنك معلومات على الأنترنت ليكون مرجعا للباحثين وملاذا لشرائح المجتمع. أما الباحث بوحبيب حميد من جامعة البويرة، فتناول تجربة ترجمة الشعر الشعبي عند ابن شنب، منها ترجمته لقصيدة ”الورشان” لابن مسايب، علما أن ابن شنب اعتمد على نقل الدلالة دون احتفاء بالزخرف، بل إنه أحيانا يلتزم بالحفاظ على ترتيب الوحدات المشكلة للجملة كما هي في النص الأصلي، لقد كان ابن شنب مترجما محتكا يدرك لطائف المعاني ويحسن إعادة إنتاج التركيب الأقرب إلى طبيعة الجملة الشعرية، كان يضع في الحسبان دوما ذلك القارئ الغربي قليل المعرفة بأبجديات الثقافة العربية الإسلامية. محاضرات أخرى تضمنها الكتاب لمجموعة من الباحثين القادمين من عدة جامعات وطنية. خاتمة الكتاب خصصت لتوصيات الملتقى، حيث تمت المطالبة فيها بجعل ملتقى ابن شنب ملتقى دوليا سنويا، وإنشاء جائزة وطنية باسمه، مع إدراج نصوصه في مناهج التربية وطبع أعماله، ناهيك عن الإشادة بتراث هذا العلامة الذي هو تراث مغاربي ومتوسطي مشترك.