تحل غدا الذكرى ال18 لرحيل المسرحي الكبير عز الدين مجوبي الذي وهب حياته من أجل المسرح، فعلاوة على أنه قامة من قامات المسرح الجزائري من نواحي الإبداع، فإن الرجل يعد من الضحايا الأوائل الذي سقطوا على أيادي الغدر التي استهدفت البلاد ومبدعيها، وعز الدين مجوبي لم يتوان في نفخ روح جديدة في المسرح الوطني سنوات التسعينيات إذ كانت الجزائر في أوج أزمتها الأمنية، وعمل جاهدا على تواصل العروض بقاعة محي الدين بشطارزي بدار الأوبرا، حتى توصلت اليد الآثمة إلى تصفيته من أمام الباب الخلفي لمبنى المسرح الوطني. تعود ذكرى رحيل الرجل الذي واجه رهان الاستمرارية رغم الظروف الأمنية الصعبة، وسط صمت السلطات المعنية، ورغم الظروف الحالية الحافلة بالإنجازات الثقافية، تغاضى المسرحيون اليوم عن إحياء ذكرى شهيد المسرح، الذي يشكل بحق محطة مهمة في تاريخ المسرح الوطني الجزائري بالنظر إلى أعماله الخالدة على غرار ”الحافلة تسير” و«عالم البعوش” و«قالوا العرب قالوا” وغيرها، وكذا إلى مواقفه البطولية التي تنم عن جزائريته الصرفة فواجه تهديدات الإرهاب بالإبداع والاستمرار في العروض. المسرح الجهوي لعنابة الذي يحمل اسم عز الدين مجوبي للأسف، لم يسطر أية فعالية لتخليد ذكرى ومآثر الرجل، ولم تفكر حتى في إعادة واحد من أعماله التي مازال يتذكرها الجميع ويشتاق لصرخته ”نوارة بنتي بنتي...” في مسرحية ”الحافلة تسير” إلى جانب الممثلة القديرة دليلة حليلو التي ابتعدت عن الأضواء في الفترة الأخيرة. وبالنسبة لإدارة المسرح الوطني الجزائري، فهي الأخرى لم تبرمج أية فعالية تحيي الفقيد عبر أعماله الكثيرة والمميزة وهو من كان مديرا للمسرح الوطني إلى آخر نفس وقد اغتيل يوم 13 فيفري 1995 عن عمر سنة 48، وربما ”غابوا الأفكار” عن ”عالم البعوش” حتى يتذكروا آخر من ركب ”الحافلة تسير”، لكن هيهات أن يفعلوا رغم الإمكانيات الموفرة من قبل وزارة الثقافة وسياستها الواضحة والساعية لتكريم المبدعين أحياء أو أمواتا. عز الدين مجوبي كان همه الدفع بعجلة المسرح لتتحرك في فترة عصيبة فر أثناءها العديد إلى خارج الوطن، حيث استلم إدارة المسرح الوطني الجزائري، وحاول سن وتنظيم مسرحيات شهرية على مدار السنة، وحث في مساره المسرحي على مكافحة الإرهاب والتمسك بالوطن، كما دعا الجمهور من خلال مسرحياته إلى رفض أي شكل من أشكال العنف والمضي قدما إلى الأمام، لكن هذا العنف سلبه حياته لتبقى ذكراه الطيبة في قلب كل جزائري. عز الدين مجوبي من مواليد 1947 بسكيكدة، بدأ نشاطه كممثل مع مطلع الستينيات، تقلد بفضل براعته وتميزه عدة أدوار في المسرح والسينما، كان الممثل الأساسي لمسرحية ”حافلة تسير” رفقة دليلة حليلو سنة 1985 ومخرج مسرحية ”غابوا الأفكار” ومسرحية ”عالم البعوش” التي عرفت نجاحا وأخذت جائزة أحسن إخراج في مهرجان قرطاج للمسرح بتونس، أما الاقتباس فقد كان من حض مسرحية ”قالوا لعرب قالوا ” من إخراج زياني شريف والتي هي الأخرى أخذت جائزة أحسن إخراج. ثم تقلد عدة مناصب إدارية، فعين مديرا للمسرح الجهوي لباتنة ثم للمسرح الجهوي لبجاية، كانت له تجربة إعلامية حيث قام بتقديم حصة تهتم بالشعر رفقة جمال عمراني في القناة الثالثة باللغة الفرنسية، أما في السينما فقد مثل في فيلم مالك حمينة الذي يصور أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر... استلم بعدها إدارة المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، كان هدفه الوحيد هو إحياء المسرح في فترة أقل ما يقال عنها عصيبة من فترات الجزائر، فحاول تنظيم مسرحيات شهرية على طول السنة، الأمر الذي صعب تحقيقه في تلك العشرية السوداء.