إيمان حُميدان روائية، صحافية وباحثة لبنانية، بدأت كتابة القصة القصيرة عام 1989، صدرت لها ثلاث روايات هي؛ ”ب مثل بيت... مثل بيروت”، ”توت بري” و”حيوات أخرى”، إذ ترجمت إلى لغات عديدة، وهي حاليا بصدد كتابة رواية رابعة بعنوان؛ ”رسائل اسطنبول”، كما شاركت في كتابة كتب عديدة وسيناريو فيلم ”شتي يا دني” الذي استند إلى بحثها الأكاديمي حول أهالي المفقودين في الحرب اللبنانية، ونال الفيلم 9 جوائز عربية وعالمية، كما شاركت أيضا في كتابة سيناريو فيلم وثائقي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، وسيعرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان الفيلم الوثائقي في ”بياريتز” بفرنسا ربيع 2013، وكتبت عدة دراسات عن التنمية والبيئة في لبنان، إضافة إلى تدريسها للكتابة الإبداعية في البرنامج العالمي للكتابة الإبداعية بجامعة ”أيوا” في الولاياتالمتحدة الأميركية، ”المساء” التقت بالكاتبة أيمان حميدان عقب مشاركتها في ندوة نشطتها ”دار فارتيكال” الفرنسية التي ترجمت أعمالها إلى اللغة الفرنسية مؤخرا بالمعهد الفرنسي، وأجرت معها هذا الحوار. تلقبين بالمرتحلة، هل يزعجك الاستقرار؟ أم أن الحياة عبارة عن متغيرات سريعة ولا يمكن أن نعيشها في ثبات؟ لا يزعجني الاستقرار أبدا، إلا أن السفر هو نمط حياتي الحالي، وأنا سعيدة به، حيث أكتشف عبره أماكن جديدة وأناسا جددا، وهو ما يحدث لي حاليا في الجزائر، إذ تعرفت وفي سرعة قياسية على أناس أحببتهم وشعرت أنني أعرفهم منذ عشرين عاما، ولو لا هذا الارتحال لما التقيت بهم، وعندي فكرة عميقة جدا، هي أن العالم يصغر كل يوم، وعندما نرتحل في نفس الوقت نحمل أماكننا معنا في قلبنا، حتى الوطن تغير بالنسبة لي، فلم يعد هناك معنى قديم للوطن في وجداني، إذ يعد المكان الذي ألتقي به بأناس أستطيع أن أتواصل معهم.
الحرب والسلام موضوعان يمسان لبنان في الصميم، ويمسان أيضا مواضيع أعمال إيمان حُميدان، كيف تكون حياة الكاتب حينما تتأرجح أفكاره ومشاعره بين هاتين الحالتين؟ السلم هو هدف الكاتب المبدع، وكتاباته تعتبر نشيدا دائما للسلم، حتى ولو لم يقل ذلك بشكل واضح، إلا أن كتاباته تفضح السلطات الدينية والطائفية، وحتى القوات التي تهيمن على عقلية البشر، تغتالهم وتحوّلهم إلى شبه آلات معدومي الحلم والقدرة على الحلم، نعم نحن الكتاّب ننشد السلم رغم أننا نعيش بشكل قسري في مرحلة الحرب، لكن دائما في كتاباتنا ننشد السلام.
تتسم كتاباتك بالجرأة، هل هي جرأة الكتابة فقط أم أنها جرأة شخصية؟ أعتقد أن الكاتب لا يستطيع أن يكون جريئا في الكتابة إن لم يكن جريئا في الحياة، فالكتابة لا تنفصل عن حياتنا وهي جزء منها، وأنا لا أستطيع أن أكون في الكتابة جريئة إذا كنت في الحياة جبانة، وأنا لست جبانة، أنا جريئة وأعتز بجرأتي على جميع الأصعدة.
كيف يمكن أن نكتب الذاكرة حينما نعيشها في الحاضر؟ هذا سؤال مهم جدا، لهذا الأمر لم أستطع أن أكتب كل شيء، في رواية ”ب مثل بيت.. مثل بيروت”، فكلما نبتعد مسافة زمنية عن التجربة، كلما استطعنا أن نكتب عنها، نعم، مختبر الكتابة عن الذاكرة بدأ، وهناك طريق طويل لكي ينتهي.
قد يكون الصمت سلاحا أمام ما يحدث لنا، ولكنه قد يكون أيضا عاملا قاتلا يسلبنا حقوقنا، ومن بينها حق أن يكون لديك حق؟ أنا ضد الصمت، يجب أن نعبّر عن عدم صمتنا بوسائل مختلفة، وأضيف أن الجزائر لم تصمت حينما عاشت الإرهاب، أي حينما كانت قوة إرهابية تصفي الناس والمبدعين في الجزائر، فالصمت قاتل دائما، ولكن أشكال محاربته تختلف من مكان إلى آخر، فلا نستطيع أن نطلب من كاتب صيني أن يمشي في ساحة تيانانمين يشتم النظام، ولكن يستطيع عبر الكتابة الأدبية أو الشعرية أن يقول ما لديه، هناك وسائل مختلفة لكسر الصمت، والكتابة تبقى من أهمها.
وتبقى مهمة الكاتب التطرق إلى المواضيع الحساسة؟ طبعا مهمة الكاتب هي تناول المواضيع الحساسة، وإلا لماذا يكتب؟ هل ليزيد من استعمال الورق الذي نأخذه من الأشجار ونؤذي من خلاله البيئة؟ نعم، الكتابة هي للفضح وكسر ”الطابو” وإلا فلا معنى لها، أتمنى أن أكتب فقط للتسلية، أتمنى أن أصل إلى هذه النقطة، وللأسف، نحن لا نكتب في العالم العربي، لأن هناك حاجة مهمة لكسر الصمت.
هل تتمتع الكاتبة العربية بكل حريتها؟ أم أنها محاطة ب”طابوهات” غير متناهية؟ لا توجد حرية حقيقية بالنسبة للمرأة الكاتبة، بسبب السلطات الدينية، السياسية والاجتماعية، وحتى بفعل السلطة الثقافية التي يتمتع بها الرجل ولا تتمتع بها المرأة التي تريد أن تكسر سلطة المثقف الرجل لأن صوتها مختلف عن صوته، وتريد أن تكتب عن نفسها، فهي الناطق الرسمي لجنسها.
وكيف توازن السيدة حُميدان بين حبها للكتابة وواجباتها المنزلية؟ أحاول تحقيق هذا التوازن، لكنني أفشل أحيانا، فأنا لست ”سوبر وامن”، وحينما كان أولادي صغارا، كان لدي وقت قليل للكتابة، إلا أن الأمر انعكس اليوم وأصبح لدي وقت أكبر للكتابة التي أصبحت بالنسبة لي شيئا عضويا، وفي النهاية يجب أن يتعلم الرجل أن تكون الواجبات المنزلية أيضا من مهامه وليست فقط من مهام المرأة التي تعمل في الخارج كالرجل.
هل غيّرت الكتابة من شخصية إيمان حُميدان؟ لا أستطيع أن أقول أنني تغيرّت وأصبحت شخصا آخر، إلا أنني أقول أن أي امرأة كتبت وتابعت الكتابة، ستصقل شخصيتها ويصبح لديها جرأة في التعبير عن ذاتها ومكنوناتها بصورة أكبر قبل الكتابة.
تقولين أن معظم كتاباتك تعبر عنك، هل لحميدان كتابات حميمة لا يمكن بأي حال من الأحوال نشرها؟ بالطبع، يومياتي لا أنشرها أبدا، وأقتصر على نشر الرواية، القصة القصيرة والمقالات الصحفية.
ماذا لو لم تنجح روايتك الأولى، هل كنت ستواصلين الكتابة؟ بالطبع، الكتابة لا علاقة لها بنجاح الرواية من عدمه، إلا أنني كنت حتما سأشعر بالاستياء، وهي حاجة داخلية لا غير، ومع ذلك، ففي جميع الأحوال لن أتوقف عن الكتابة أبدا.
هل هناك شعور قوي بالطائفية في لبنان؟ وإذا كانت الإجابة بنعم هل يؤثر ذلك على الثقافة؟ الشعور القوي بالطائفية في لبنان موجود، ولكن هناك أناس كثيرون مثلي، ونشكر الله، لأنهم تجاوزوا الطائفية ويمقتونها ويعبرون عن ذلك مثل الكّتاب، الأدباء، الأكاديميين والفنانين، فالثقافة تعلو على كل شيء ولا يجب أبدا أن تستعمل كأداة من أدوات السلطة.
لديك مكتبة تعتزين بها، منذ متى وإيمان حُميدان تجمع كتبها؟ منذ أن كان عمري 12 سنة، المكتبة هي صديقتي ورفيقتي، وعندما أذهب إلى فراشي، آخذ معي اثنين أو ثلاثة كتب أقرأها بطريقة مميزة بعض الشيء، حيث لا أستمر في قراءة كتاب واحد حتى أنهيه، بل أقرأ، ثم أغلق الكتاب وأنتقل إلى كتب أخرى، كما أن هناك عطش للقراءة، وعندما أكتب، لا أستطيع أن أقرأ.
ماذا تعرفين عن الأدب الجزائري؟ أعرف كاتب ياسين، واسيني الأعرج، فضيلة فاروق وطاهر وطار وغيرهم.
ماذا عن اهتمامك بالبيئة؟ كنت أنشط في مجال البيئة من خلال انخراطي في جمعيات لبنانية، ولكن مند ثلاث سنوات، توقفت عن ذلك بحكم سكني في أغلب الأحيان بباريس، غير أنني أحتفظ بنمط حياة بيئي.
ماذا عن جديد حُميدان؟ أنا الآن بصدد كتابة رواية رابعة بعنوان: ”رسائل اسطنبول”، إذ تحكي قصة امرأة تعود إلى لبنان لتشارك في تعمير الوسط التجاري الذي دُمر كاملا، وأعيد إعماره سنة 1995، وتجد في أحد أقبية إحدى الأبنية، حقيبة تضم رسائل حميمة، صورا وغلاقة مفاتيح ودفتر يوميات لامرأة أخرى، ورغم أنها تعيش مشكلة تتمثل في عدم قدرتها على الطلاق، بحكم مرض زوجها بالسرطان، إلا أنها تذهب في رحلة لاكتشاف صاحب الحقيبة وعن ذاك الحب الموجود فيها.
هل تكتب إيمان حينما تسافر أم أنها كاتبة ”بيتية”؟ أكتب دائما وفي جميع أحوالي، وأنا مشغولة هذه الأيام بكتابة يومياتي عن الجزائر في جريدة لبنانية، حقا أحب أن أكتب عن الناس رغم أن العمران مهم، إلا أنه مهم أن أتحدث مع الناس، فهم في كل مكان، لهم نفس الأحلام والرغبات، ونجد ذلك واضحا أيّما وضوح في الأدب، نعم الإنسان هو الإنسان بنفس الحاجات من حب وحرية وتعبير عن الرأي وحتى الخوف.