أكد الكاتب حميد قرين في حوار ل«الشعب» أنه لا يوجد تشجيع للكاتب في الجزائر بالرغم من أنه رمز للمجتمع، داعيا وزارة الثقافة أن تقدم مساعدات لهاته الفئة، التي تعمل على تقديم صورة مشرفة للجزائر داخلها وخارجها، وقال قرين أنه حين يكتب لا يضع أمامه استراتيجية التسويق، وإنما يضع نصب عينيه «الجزائري» الذي يكتب من أجله.. كان لكم حضور قوي في المعرض الدولي ال16 للكتاب، ومن خلاله وقعتم بيعا بالإهداء لإصداركم الأخير «حياة على أصابع القدمين»، كيف جاءت الرواية، وعن ماذا تتحدث؟ ̄ هناك 13 رواية، حيث كتبت 09 روايات منذ ما يقارب ال15 سنة، و04 روايات أخرى كتبتها في ظرف ثلاثة أو أربعة أشهر. لماذا كتبت هذه الروايات؟ ̄لأنه منذ أكثر من عام وأنا أكتب رواية صعبة نوعا ما، ولم أكملها بعد، فقلت إما أن أصدر كتابا في 2011 أو لا، بعدها فكرت في الروايات التي أرسلتها إلى الناشر الذي تعاملت معه، حيث حذفت روايات وأضفت 04 أخرى وخرجت ب13 رواية بعنوان «حياة على أصابع القدمين»، تحكي عن الجزائريين من نساء ورجال، عن مشاكلهم وأفراحهم، كما تغوص في عمق العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر.. هي رواية جزائرية محضة، هناك روائيون يهتمون بشعوب أخرى يتحدثون في كتاباتهم عن الأمريكيين أو الانجليز أو الفرنسيين، لكن أنا على عكس هؤلاء أهتم بالشعب الجزائري، ولدي 05 روايات تتحدث عن الجزائر، فأنا لا أؤمن بالعالمية في الكتابة، بمعنى أنه عندما تكتب عن روسي تقول إنك تتحدث عن جزائري، هذا غير صحيح، عندما ترى بعض الكتاب العالميين مثل فيكتور إيغو أو دوستويفسكي لا يتكلمون إلا على شعوبهم، فلماذا إذا نتحدث نحن عن الشعوب الأخرى. هذا يعني أنكم اخترتم أن تلامس رواياتكم الواقع الجزائري دون سواه؟ ̄ أكيد.. في يوما ما ذهبت طفلة صغيرة عند الروائي العالمي دوستويفسكي، وطلبت منه أن يعلمها كتابة الرواية، فأجابها بأنه عليها أن لا تتخيل شيئا لأن الحياة مليئة بالأحداث، مؤكدا لها أن تروي ما تراه وتسمعه وتقوم به.. وأنا من خلال 13 حكاية لم أتحدث عن نفسي طبعا، لكن فيها 50 في المائة حقيقة و50 في المائة خيال. ̄ الإنفتاح السياسي في التسعينيات شجعكم على الكتابة في المجال السياسي، والتألق الرياضي في تلك الفترة جعلكم تكتبون عن الرياضة، ما هو الحدث الذي دفع بكم إلى الخوض في عالم الرواية؟ بدأت أكتب في الرياضة في الثمانينيات، حيث كنت صحفيا بالإذاعة الثالثة، وهي الفترة التي شهدت تألق لخضر بلومي، رابح ماجر وعصاد.. فتوجهت مباشرة إلى الرياضة رغم أنني حاصل على ليسانس في علم الاجتماع، عملت 04 سنوات في القناة الثالثة ولم أضيع وقتي فأصدرت كتابا بعنوان «لخضر بلومي لاعب كرة القدم الجزائري» بيع منه 20 ألف نسخة وهو ما أعتبره إنجازا بالنسبة لي. في الحقيقة أنا لست صحفيا رياضيا مائة بالمائة لكنني تمكنت من هذا الميدان حسب شهادة الكثيرين وإصداري ل5 كتب عن الرياضة دليل على ذلك. وفي نفس الوقت كنت أحب السياسة والثقافة، لكنني لم أكن أستطيع الكتابة في هذين المجالين بصفة حرة، وإلا يقال عنا إننا ننتقد الحكومة الجزائرية، وحتى لا نبيع أنفسنا اضطررنا للكتابة في مجال لا توجد فيه الرقابة، لذلك اتجهت للكتابة في الرياضة وواصلت في ذلك إلى غاية 1990، حيث أصبحت رئيس تحرير جريدة «الأوريزون»، حينها بدأت الكتابة في السياسة بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته الجزائر في 1989، لكن لم أصدر كتبا سياسية إلى غاية 2004، بسبب العشرية السوداء، حيث لم يكن بإمكاني الكتابة في تلك الفترة. الكثيرون قالوا إنهم يلجأون إلى الأدب الإستعجالي، لكن أنا لم أؤمن بهذا النوع من الأدب فإما أن نكتب شيئا جميلا أو لا نكتب. لكنني عندما أفكر أجد نفسي قد كتبت في الأدب الاستعجالي عام 1994 عن الملاكمة في الجزائر، فالأدب الاستعجالي لا يجبرنا على الكتابة بطريقة سيئة بل العكس يساعدنا على الكتابة بصفة جيدة. المهم عدت إلى الكتابة في 2004 إلى يومنا هذا، حيث كتبت ربما 8 إصدارات. وكلها عبارة عن روايات؟ ̄لا.. أصدرت في 2004 بورتريهات وكتاب سياسي عن الانتخابات بعنوان «وقائع انتخاب ليس كغيره»، وفي 2005 أصدرت «أقطف النهار قبل الليل» بيع منه 10 آلاف نسخة ولاقى رواجا كبيرا، كما أصدرت رواية «الصلاة الأخيرة» في 2006، و«ليلة الحناء» في 2007، إلى جانب رواية «مقهى جيد» في 2008، والتي ستصدر قريبا في فرنسا وفي 2009 صدر لي كتاب بعنوان «لن يدوم طويلا»، والذي يتحدث عن الإعلام والصحفيين في الجزائر ونال جائزة المكتبيين، وفي 2009 «عطر أبسينت» سيصدر في فرنسا أواخر أكتوبر تتحدث عن كامو وموقف الكتاب الجزائريين في الحرب . وفي 2011 صدر لي «حياة على أصابع القدمين»، وكما ترين في كل عام تصدر لي رواية. ومن يخاطب حميد قرين في رواياته؟ ̄أخاطب كل الجزائريين دون استثناء، وليس لدي فئة معينة أكتب لها، حيث لا يمكنني أن أكتب فقط للفئة المثقفة لأنهم قليلون. ألا تعتقدون أن كتابتكم باللغة الفرنسية، يعني أنكم تتوجهون إلى فئة دون غيرها؟ ̄ نعم.. لكن لدي بعض الروايات ترجمت إلى اللغة العربية ك«الصلاة الأخيرة» و«اقطف النهار قبل الليل»، وأقولها صراحة أقل القراء بالعربية وليس بالفرنسية، لا أعلم هناك كتاب يكتبون بالعربية ويصدرون حوالي 2000 نسخة، وأنا أكتب بالفرنسية وأصدر بين 10 آلاف و20 ألف نسخة. باعتباركم صحفيا، هل كان للإعلام دور في خوضكم غمار التجربة الإبداعية؟ ̄ الإعلام يسهل الكتابة، فهو يعلمنا أولا كيف نكتب جيدا وثانيا كيف نفكر، ويجعلنا نرى الأشياء بنظرة شاملة، والأهم هو أن الإعلام ينزع عنا عقدة الكتابة، وينزع منها صفة التقديس، وبصراحة أنا أكتب دائما بسهولة. قلتم إن الصحافة ساعدتكم، وهذا يعني أنه بإمكانها أن تكمل الجانب الإبداعي للكاتب، كيف ذلك إذا كانت الصحافة تعتمد على الموضوعية والرواية تعتمد على الخيال؟ ̄ سؤال جميل.. لكن في الإعلام لا يوجد هناك موضوعية، أقول ذلك باعتباري صحفيا ومديرا للاتصال، ولم أر يوما الموضوعية في الكتابات الصحفية، بل هناك ما يعرف ب«الدقة»، وصراحة لا يوجد صحفي موضوعي لأن «الذاتية» تتدخل في كتابات الإعلامي . قد تكون الموضوعية موجودة أكثر في الرواية لأننا نعبر عما في قلوبنا، ونقول ما نريده، لكن في الإعلام تحكمنا قيود ورقابة سواء في القطاع العمومي أو الخاص، لذلك لا توجد الموضوعية وإنما «الدقة». كتاباتكم تعرف رواجا كبيرا ما الذي اعتمد عليه حميد قرين للوصول إلى وجدان القارئ؟ ̄ صراحة، قبل أن أكتب لا أضع أمامي استراتيجية أهدف من ورائها لتسويق أعمالي، أو أن أعجب هذا الفلان أو ذاك.. أنا أكتب ما أحس به، وحين أكتب أضع نصب عيني «الجزائري» والحمد لله «دعاوي الخير» جعلت أعمالي تلقى رواجا كبيرا، ففي كل بيع بالإهداء يكون هناك إقبال كبير، ففي المعرض الدولي للكتاب بعت ما يقارب ال150 كتاب مقارنة بآخرين باعوا 3 أو 4 نسخ.. لماذا؟ لأنني أتحدث عن الأشياء التي تعجب القارئ، أكتب ما يدور بداخلي وفقط، كما أخصص حيزا كبيرا للمرأة. سمعنا أنه سيتم تحويل روايتي «ليلة الحناء» و«لن يدوم طويلا» إلى فيلمين سينمائيين، فإلى أين وصل المشروع؟ ̄ بالنسبة ل«ليلة الحناء» المشروع متوقف بسبب التمويل، و«لن يدوم طويلا» تم الانتهاء من كتابة السيناريو من قبل سيناريست فرنسي حسب بشير درايس ومن المنتظر أن ينطلق التصوير في 2012. ولماذا لقي «ليلة الحناء» إشكالا في التمويل، في حين سيُنطلق في تصوير «لن يدوم طويلا» العام المقبل؟ ̄ لأن المشروع الثاني بين يدي بشير درايس، فهو يتمتع بتجربة كبيرة ولديه علاقات جيدة، في حين أن الأول لديه الحماس لكن ليس بمواصفات بشير درايس. ألم تتخوفوا من أن لا يلقى الفيلم نفس الرواج الذي شهدته الرواية، سيما من لم يقرأ روايتكم وبالتالي سيتعرف على أعمالكم من خلال هذا الفيلم، ونحن سمعنا في مرات عديدة عن روائيين وعدم رضاهم عن المشروع السينمائي أو التلفزيوني لما يحمله من مغالطات؟ ̄ صحيح ما قلته.. لكنني أعمل على متابعة السيناريو ولي الحق في تقديم الموافقة أو لا، من جهة أخرى أتابع عملية التصوير ولدي رأي حتى في اختيار الممثلين.. وهل قمتم باختيار الفنانين؟ ̄ بالنسبة لرواية «لن يدوم طويلا» ليس بعد، لكن «ليلة الحناء» كنت قد اخترت الفنانة مليكة بلباي، حيث أعجبت بها ورأيت أنها الأنسب لآداء الدور. إلى أي مدى يمكن للوضع الثقافي في الجزائر أن يسهم في خلق مبدع، وفي تشجيع الكاتب على مواصلة الكتابة؟ ̄ لا يوجد هناك أي تشجيع للكاتب في الجزائر، فمثلا لا يمكنه أن يعيش من وراء الكتابة لأنه سيموت جوعا، حيث يتحصل أحسن كاتب من خلال مبيعاته على 8 آلاف دج، أما الباقون فقد يتحصلون على ألف أو ألفين دج في الشهر. فلا يوجد أي تشجيع لا من جهة دار النشر ولا من جهة السلطات الوصية، الحمد لله لدي منصب محترم أستطيع أن أعيش من ورائه، لكن أتمنى من وزارة الثقافة وقد قلت ذلك خلال ندوتين صحفيتين أن تقدم مساعدات للكُتاب الذين ليس لهم عمل وتوفر لهم أجرة أو مساعدة اجتماعية كما هو حاصل في الخارج، حيث يتلقى الكاتب على الأقل 20 أو 30 ألف دج شهريا. فالكاتب رمز للمجتمع ورمز بإمكانه تقديم صورة عن الجزائر خارج وطنه، فحين ننطق باسم كاتب جزائري يُعد ذلك فخر لنا، والواقع أن الكاتب في الجزائر يعيش حياة مريرة. على ذكر منصبكم، هل ساعد ذلك حميد قرين في أن يرسم له اسما في عالم الكتابة؟ ̄ لا أبدا.. حميد قرين له اسم منذ 1986، حيث كنت كاتبا رياضيا، وكونت اسمي أكثر حين أصدرت كتبا متنوعة. فالقارئ لا يعرف إن كنت مديرا أو أحتل منصبا ما، فهم يعرفون فقط حميد قرين الكاتب، وإن كنت لا أكتب جيدا فلا أحد يشتري إصداراتي. إذا كان تشجيع الكتاب في الجزائر غير موجود، فما فائدة ما يقام من تظاهرات إذا كانت لا تخدمه ولا تشجعه؟ ̄ التظاهرات الثقافية مفيدة، لكن أتمنى أن يتم استضافة كتاب جزائريين يعيشون داخل هذا الوطن، المسؤولون يقومون باستضافة كتاب يعيشون في دول أوروبية وآخرون ليسوا جزائريين ولا أحد يسمع عنهم، نريد أن نرى بشير مفتي، أمين الزاوي وغيرها من الأسماء الجزائرية الكبيرة، وحين نستضيف أنور مالك ومليكة مقدم، علينا أن نستضيف أيضا يوسف مراحي جمال معطي وفاطمة بكاي.. علينا أن نستضيف من الجانبين. أنا كان لي شرف تقديم كاتبين من إفريقيا خلال المعرض، لم أكن أعرفهم، وكنت سأسعد أكثر لو قدمت كتابا جزائريين لكن المهم هو مواصلة الطريق، فالوزارة تبذل مجهودا إلى جانب محافظة المعرض، لكن عليهم في المرة القادمة أن يقدموا للكتاب المتواجدين في الجزائر النصيب الأكبر وتكون لنا الأفضلية وليس فقط لمن يأتي من خارج الوطن، لأن المعرض ملكنا وملك المؤلفين والصحفيين الجزائريين، لماذا لا نجد كاتبا جزائريا يقدم محاضرة في الخارج ونقدمهم نحن؟ حتى نقدم الأمل للجزائريين وندعم المواهب الصاعدة، علينا أن نشجع هؤلاء الكتاب فهناك من لديهم مستوى عالمي ومواهب كثيرة في مجال الإبداع. في الأخير ما هي مشاريعكم المستقبلية؟ ̄ لدي مؤلف أكتبه منذ عام يتحدث عن مأساة بن طلحة بصفة غير مباشرة، من خلال حكاية شابة عاشت هاته المأساة، ولدي كتابان سيصدران في فرنسا إحداهما مدير دار نشرها ياسمينة خضرة ومقهى جيد والذي ربما سيصدر في 2012.