أكد السيد عبد الرحمان عمور، أحد إطارات البنك المركزي الجزائري الذين عاشوا تأسيس العملة الجزائرية "الدينار"، أن استعادة السيادة الوطنية فعليا كانت بإصدار العملة في 10 أفريل 1964، مؤكدا أن العملة تعد أقوى رموز السيادة، بعد أن كان التداول بالفرنك الفرنسي لسنوات بعد حصول البلاد على الاستقلال. وخلال استضافته، أمس، بمنتدى "المجاهد"، بمناسبة الذكرى ال49 لتحويل العملة الجزائرية من الفرنك الفرنسي إلى الدينار الجزائري، قال السيد عمور إن البداية كانت بالتفكير في إنشاء مؤسسة البنك المركزي الجديد في 13 ديسمبر 1962، بقيادة أول محافظ للبنك في الجزائر، السيد صغير مصطفاوي رفقة مجموعة من الأشخاص الذين كانوا أمام اختيارين لاسم للعملة إما "الدرهم" الذي يعود أصله إلى اليونان أو "الدينار" الذي كان متداولا خلال فترة الإمبراطورية الرومانية تحت مسميات متعددة قريبة من التسمية الحالية. وعاد المحاضر إلى بداية تداول الأوراق النقدية في الجزائر منذ الاستقلال مباشرة قبل تبني الدينار، حيث كان بعملتين الأولى بالفرنك الفرنسي الأصلي والثانية بالفرنك الفرنسي الجزائري، قبل أن يتم إصدار أوراق من نوع 100 دج، 50 دج، 10دج و5 دنانير كمرحلة أولى، مشيرا إلى أن ذلك تطلب وقتا بين 4 أشهر و6 أشهر بسبب الحذر في اختيار الصفائح والحبر والألوان المختلفة التي تغطي الوجهتين وحتى تحديد نوعية الورق الذي يتميز بالصلابة كونه لا يتمزق إلا بعد تكرار عملية طيه 5 آلاف مرة وهي الخصوصية التي تتميز بها الأوراق النقدية بشكل عام كونها الأكثر تداولا في العالم. وباعتبار أن الجزائر كانت تعيش مرحلة انتقالية في مجال السياسة النقدية، كان لابد لها أن تحدد كمية السيولة التي كانت تقدر بملياري دج في بداية 1963، في الوقت الذي تقدر فيه حاليا بثلاثة آلاف مليار دج، مشيرا إلى أن قدرة المطبعة في تلك الفترة كانت تصل إلى 60 ألف ورقة في اليوم في حين تقدر اليوم بمليوني ورقة يوميا. وبالعودة إلى مسألة الطباعة حيث تعد الجزائر أول دولة عربية وإفريقية تصدر نقودها بنفسها، أوضح السيد عمور أن فرنسا كانت تمتلك مطبعة في باريس قبل أن تتعرض سنة 1870 لهجوم من قبل روسيا القيصرية، مما جعلها تبحث عن مكان أكثر أمنا داخل فرنسا، غير أنها لم تسلم مرة أخرى من هجوم ألمانيا النازية سنة 1914، الأمر الذي دفعها إلى بناء مطبعة جديدة في الجزائر بين 1923 و1925. كما أشار الإطار السابق بالبنك المركزي إلى أن وجود المطبعة ساعد الجزائر كثيرا في تسريع عملية إصدار نقودها الخالصة، الأمر الذي جعل بلادنا من الدول المؤسسة للجمعية الدولية للطوابع البريدية والجمعية الإفريقية لطباعة النقود والأوراق المؤمنة، في حين لم يتم إصدار النقود المعدنية إلا بعد سنة 1988 بإنجاز ورشة داخل المطبعة لتسكيك النقود التي كانت تأتي بها الجزائر من الخارج. من جهته، تطرق السيد محمد الشريف المان، خبير اقتصادي وإطار سابق بالبنك المركزي بين سنوات 1990 و2000، إلى مراحل تطور القطاع المصرفي والنقدي في الجزائر والتي قسمها إلى ثلاث، مرحلة إنشاء النظام المصرفي الجزائري بين 1962 -1970، مرحلة إصلاح النظام المصرفي وتكييفه مع التخطيط المركزي من 1971 إلى غاية الثمانينيات، وأخيرا المرحلة المفتوحة التي بدأت سنة 1990، حيث تم إصدار قانون النقد والقرض الذي جاء بجملة من الإصلاحات. وقال إن النظام المصرفي في الجزائر كان يتميز في البداية بنظام اقتصاد السوق، حيث بدأ البنك المركزي سنة 1963 إلى جانب البنوك الجزائرية الأخرى في تأميم وجزأرة البنوك الفرنسية، مضيفا أنه في بداية السبعينيات تم تبني نظام التخطيط المركزي كنظام مسير للاقتصاد وذلك بعد وضع حيز التنفيذ المخطط الرباعي آنذاك.