يعد التكفل بفئة الشباب من بين الأولويات التي تركز عليها الدولة التي تسعى إلى الاستجابة لاحتياجات هذه الشريحة الهامة من المجتمع، انطلاقا من ضرورة تكريس المكانة اللائقة بها من خلال توفير مناصب الشغل لامتصاص البطالة وفسح المجال للكفاءات الشبانية، من أجل اعتلاء المناصب القيادية في القطاعات الحيوية، وذلك في خطوة لإرساء استراتيجية ذات آفاق واعدة. وقد حظيت تجربة الجزائر في هذا المجال بإعجاب من قبل الهيئات الدولية التي أشادت بالجهود التي تبذلها الجزائر من أجل دعم فئة الشباب، كما هو الشأن للتقرير المرحلي الثاني الذي عرضته بلادنا مؤخرا أمام الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء حول تنفيذ برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة والذي استند إلى نقاط الارتكاز القطاعية على مستوى الإدارات الوزارية والمؤسسات العمومية الوطنية. ولم يستند هذا التقييم الصادر في جويلية 2012 إلى سلسلة الإصلاحات المعلنة في الفترة الأخيرة لفائدة هذه الفئة فحسب، وإنما تم إبراز الاهتمام الذي أولته الدولة لدعم التنمية البشرية من خلال إطلاق الاستثمارات الكبيرة منذ خمسة عقود والتي مكنت أجيال ما بعد الاستقلال من التزود بقدرات أهلتها لأن تكون عناصر فاعلة وأساسية في مسار التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد. فقد أشار التقرير مثلا إلى عقد مؤتمر وطني في سنة 2007 لتحديد استراتيجية جديدة للشباب أكثر انسجاما وتكاملا، تقوم على مسار تحضيري تشاركي، ساهم فيه ممثلو الشباب وخبراء من مختلف القطاعات المعنية بالشباب، كما أنه بالإضافة إلى تدعيم عمليات التربية والتكوين، فإن هذه الإستراتيجية تمنح الأولوية القصوى لمكافحة البطالة. وتولي خطة العمل من أجل تعزيز التشغيل ومكافحة البطالة أهمية لدعم الاستثمار في القطاع الاقتصادي، من خلال تحديد كافة العوامل المساهمة في تحسين مناخ الأعمال وكذا التكفل بها طيلة مسار الاستثمار، إلى جانب تعزيز التكوين المؤهل لتسهيل الاندماج في عالم العمالة، حيث ظل تطوير المؤهلات عاملا حاسما في تنظيم سوق العمل وضبطه. وعليه، فقد تم تحديد الإصلاحات الواجب الشروع فيها وتم تطبيقها في المسار التدريجي الجامعي والمهني وداخل المؤسسة، كما تم إعداد برنامج تدريب بالنسبة للحرف التي تسجل عجزا في سوق العمل ليوجه نحو طالبي العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 سنة. كما كثفت الدولة جهودها من أجل تعزيز سياسة تحفيزية تجاه المؤسسات لتشجيع توفير فرص العمل، بتقليص تكلفة التشغيل التي أصبحت من العناصر الأساسية التي ترتكز عليها السياسة الوطنية للتشغيل ولذلك نصت القوانين المالية التكميلية لسنتي 2009 و2011 على تخفيضات في مساهمات أرباب العمل في الضمان الاجتماعي لفائدة المؤسسات التي توظف طالبي العمل من الدرجة الأولى، على أن يتم تمويل الفارق في هذه المساهمات من ميزانية الدولة ومنح امتيازات مالية أخرى للاستثمارات الكفيلة بتوفير أكثر من (100) وظيفة. وفي مجال إنشاء المؤسسات الصغيرة تم إدخال إصلاحات معمقة منذ سنة 2008 على التدابير القائمة وأهمها لامركزية التمويل المصرفي ومساعدات الدولة، تطوير شبكة منظمي المشاريع من الوكالات المتخصصة وتدعيم صندوق الضمان برفع حصة رأس المال على حساب الدولة. وفيما يتعلق بالعمل المأجور فقد تم وضع ترتيبات للمساعدة على الإدماج المهني، وتخص هذه الترتيبات طالبي الوظيفة بالدرجة الأولى وتقترح ثلاثة عقود للاندماج، حسب مستواهم التدريجي ومؤهلاتهم، في حين أن ترتيبات المساعدة تمول التكوين في الوسط المهني. ويمكن اللجوء إلى هذا النوع من العمليات بما يصل إلى 60 بالمائة من التكلفة الإجمالية لهذا التكوين الذي تقدر مدته بستة أشهر كحد أقصى. ويكمن الهدف الاستراتيجي لهذه العمليات متعددة الأشكال في معالجة مشاكل الشباب بواسطة الاقتصاد وبالتالي توفير فرص عمل دائمة ولائقة لهذه الفئة، كما تجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن ترتيبات وتدابير دعم التشغيل وإنشاء المؤسسات الموجهة أساسا نحو الشباب قد تم توسيعها مع تبسيط إجراءاتها، بناء على قرارات مجلس الوزراء المنعقد في 2 فيفري 2011، كما خصصت نسبة 40 بالمائة من المساكن الاجتماعية لهذه الفئة. ويمكن القول أن جملة الإجراءات المدعمة للشباب قد استبقت التطورات التي شهدتها بعض دول الجوار في إطار ما يسمى بالربيع العربي، ولعل ما تم إصداره مؤخرا من تعليمات لتنفيذ إجراءات جديدة ما هي إلا تكملة لسابقاتها في إطار التكيف مع الاحتياجات الجديدة للبلاد، مثلما تم خلال مجلس الوزراء المنعقد نهاية العام الماضي عندما وافق على مشروع القانون المتضمن شروط ممارسة النشاطات التجارية وإضفاء المرونة على الإجراءات الإدارية ومن ثمة تسهيل إنشاء مؤسسات ومناصب شغل لفائدة الشباب، حيث أشار رئيس الجمهورية في هذا الصدد إلى أن "المجهود المبذول لمرافقة إنشاء المؤسسات الصغيرة لا بد أن يتجسد من خلال المساوقة الواجبة بين النظام الضابط للنشاطات الاقتصادية وأهداف تنمية الاقتصاد الوطني". ولم تأل مساعي الحكومة جهدا في سبيل الإصغاء إلى المطالب المتزايدة لهذه الفئة لاسيما بولايات الجنوب التي حظيت بإجراءات لصالح شبابها من خلال تعليمة أصدرها الوزير الأول السيد عبد المالك سلال يوم 11 مارس الماضي، إذ تم تحديد عدة خيارات تمكن الشباب من الاستفادة من امتيازات تسمح لهم بخلق مناصب شغل بتشجيع إنشاء المؤسسات المصغرة في العديد من المجالات على غرار الفلاحة والصناعة، باعتبارها البدائل المناسبة للقضاء على مشاكل البطالة في هذه الولايات إثر الأحداث التي عرفتها المنطقة مؤخرا. ورغم أن تجسيد هذه الإجراءات يتطلب وقتا لتجسيدها على أرض الواقع إلا أن تفعيلها يتطلب السهر على متابعتها من قبل المعنيين، لاسيما في ظل الإرادة المتوفرة من أجل إحداث نقلة نوعية في سياق إرساء سياسة تكافؤ الفرص التي قد تعزز من رصيد البلاد في تكريس رؤية ناجعة من أجل امتصاص ظاهرة البطالة.