يعتبر ياسين ميرة، رئيس الجمعية الوطنية للأساتذة والمربين المتخصصين للمكفوفين، قانون 02 /09 الصادر في 8 ماي 2002، الخاص بالمعاق، بمثابة المفتاح الذهبي، كونه يحوي العديد من القوانين التي تساير باقي القوانين العالمية، غير أن عدم تفعيله يحول دون حل مشاكل هذه الشريحة. وللحديث عن قانون المعاق والتحديات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديدا المكفوفين، اختارت ”المساء” ياسين ميرة الحائز على دكتوراه في الاتصال، ليكون واحدا من شخصياتها، وعادت لكم بهذه الدردشة. ”المساء”: بداية، من هو ياسين ميرة؟ ياسين ميرة: هو رئيس الجمعية الوطنية للأساتذة والمربين المتخصصين للمكفوفين، نصبت على رأس الجمعية مؤخرا، بدأت تعليمي في المدرسة الابتدائية بالعاشور، وهي مدرسة خاصة بالمكفوفين، لأنتقل إلى المدرسة الثانوية، فالجامعة، لأتخرج من كلية الإعلام والاتصال تخصص اتصال، بعدها انتقلت إلى فرنسا، حيث أكملت تعليم ما بعد التدرج وحصلت على دكتوراه في الاتصال، هذا من ناحية التكوين البيداغوجي، ومن الجانب المهني، تقلدت منصب مدير وحدة البراي بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية إلى حد اليوم، وأشرف على عدة برامج بحث وتكوين، إضافة إلى توجيه العديد من المؤسسات من جانب الاتصال المؤسساتي.
حدثنا عن التحديات التي واجهتك في مسارك التعليمي والمهني؟ كغيري من المكفوفين، واجهتني العديد من المشاكل، وأذكر بالتحديد ما يخص الجانب التعليمي، من حيث افتقارنا للروافد بالبراي ونقص الوسائل التكنولوجية المتطورة التي تسهل علينا الاتصال والتواصل، خاصة عن طريق شبكة الأنترنت، هذه الشبكة اليوم التي أصبحت أكثر من ضرورة في نقل المعرفة، إلى جانب النقص الفادح المسجل فيما يخص الكتاب المدرسي بالبراي الذي كان يعتبر بمثابة التحدي الكبير للمكفوف، فإذا كانت المعرفة والتعليم حق الجميع، لما يقصى المكفوف من هذا الحق بحرمانه من الكتاب، ولا يقتصر الأمر عند حد التعليم الابتدائي، بل يتعداه إلى الكتاب الجامعي، إذ من الصعب على المكفوف القيام بالبحوث العلمية أو بالدراسات العليا، لذا أعتبر نفسي وغيري من المكفوفين، عموما، بالجزائر عصاميين، فمن غير المؤسسات التربوية التابعة لوزارة التضامن الوطني التي نبدأ فيها تعليمنا الأول، ليس هناك من يتكفل بنا أو يستقبلنا، لذا نعتمد على أنفسنا لبلوغ أهدافنا.
إلى من يعود الفضل فيما وصلت إليه اليوم من تفوق في المجال العلمي؟ بكل فخر واعتزاز، أقول؛ إن الفضل الأول والأخير لما بلغته من تفوق يعود إلى والديا اللذين وقفا إلى جانبي، وكانا أكبر داعم معنوي ومادي لي، لذا أقول؛ إني شخص محظوظ لانتمائي لهذه العائلة، يكفي فقط القول؛ إنهما تقبلا إعاقتي، كما تقبلا إعاقة أختي التي تدرس بأكبر الجامعات الفرنسية في مجال العلوم السياسية، وأخي خريج كلية العلوم السياسية، لذا أشعر أنني كغيري لا ينقصني شيء.
بالحديث عن العائلة، بما تنصح العائلات الجزائرية التي يكون أحد أفرادها معاقا؟ أعتقد أن العائلة هي المسؤول الأول عن نجاح أو فشل المعاق، أيا كانت إعاقته، فإن تقبلت حاله، لسهّل ذلك اندماجه في المجتمع، لأنه ببساطة شخص كغيره، غير أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الاختلاف الوحيد يكمن في أن تربية المعاق تحتاج إلى عناية خاصة، لذا أنصح الأسر أن تحتك بالمجتمع المدني لتكون على دراية بما تؤمنه الدولة لهذه الشريحة من مؤسسات تتكفل بتعليمهم وتأمين بعض احتياجاتهم، خاصة أن وزارة التضامن الوطني، اليوم، تولي أهمية كبيرة لهذه الفئة، لاسيما وأنها أعطتها الأولوية في تجسيد المشاريع التي تتقدم بها الجمعيات.
لما اخترت العمل بالحركة الجمعوية؟ في الحقيقة، التحاقي بالحركة الجمعوية نابع من قناعتي ورغبتي في تحقيق شيء ما لمجتمعي، وتحديدا لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، على اعتبار أن الحركة الجمعوية تعد بمثابة الفضاء الذي يمكن من خلاله التأثير والتأثر، وبالتالي الإنجاز، ولأني على دراية بأنني لا أستطيع تقديم أي خدمة بمفردي، فكرت في البحث عن جمعية تتناسب وتطلعاتي ورغباتي، فوقع اختياري على الجمعية الوطنية للأساتذة والمربين المتخصصين التي تضم أعضاء من النخبة، على غرار الأساتذة، الباحثين والمربين الذين أشركهم في أفكاري، وفي المقابل يتم دعمي لتحقيقها على أرض الواقع، مثلما حدث مع الكتاب المدرسي بالبراي الذي حولنا مشروعه إلى واقع ملموس، من خلال تكفل الجمعية بعملية طباعته.
إذن، بتكفل الجمعية بطباعة الكتب بالبراي، تضعون حدا لهذا المشكل؟ في الحقيقة، بعد عرضنا للمشروع على وزارة التضامن الوطني، لقي الترحيب، إذ وافقت الوزارة على أن تتكفل الجمعية بمشاركة الوزارة على طباعة الكتب الموجهة للطورين الابتدائي والمتوسط، غير أن المشكل يبقى مطروحا بالنسبة للطورين الثانوي والجامعي، إذ نتمنى أن نجد له حلا في القريب العاجل.
من عضو بالجمعية إلى رئيس لها، حدثنا عن أهم الإنجازات التي حققتموها؟ من بين الإنجازات التي أفتخر بها، والتي تم تحقيقها على مستوى الجمعية بمساعدة كل الأعضاء، أذكر التركيز على إقامة العديد من الدورات التكوينية للمكفوفين، خاصة في مجال وسائل التكنولوجيات الحديثة المتخصصة، مع الإشراف على برمجة أيام تحسيسية وتكوينية في مجال الطباعة والبحث العلمي، إلى جانب السعي لإنجاز مركز تربوي علمي في القريب العاجل، نعلم فيه المكفوف كيفية التواصل والاندماج بالمجتمع، ليسهل عليه الاعتماد على نفسه.
هل لك بعض الإحصائيات عن عدد المكفوفين في الجزائر؟ حسب الأرقام المتوفرة بالجمعية، فإن العدد بلغ 250 ألف مكفوف على المستوى الوطني، وهو عدد كبير بالنظر إلى عدد الجمعيات التي تعنى بالتكفل بانشغالاتهم، إذ لا يتجاوز عدد الجمعيات الوطنية المعروفة الخمسة، وفي المقابل، نجد أن المؤسسات المختلفة التي وضعتها الدولة في خدمة هذه الفئة لا يتجاوز 168 مؤسسة عبر الوطن، في ظل غياب المؤسسات التعليمية الخاصة.
برأيك، لما تغيب المؤسسات التعليمة الخاصة بمجتمعنا؟ ببساطة، لا يمكن لأي كان أن يستثمر في مجال التعليم الخاص الموجه للمكفوف، لأن هذا الأخير لا يملك الإمكانيات المادية التي تمكنه من دخول المدارس الخاصة، لاسيما إذا علمنا أن منحته لا تتجاوز 3000 دج، وتأتي متأخرة عن موعدها، ولا تلبي أبسط احتياجاته.
في بداية حدثينا، قلت إن قانون المعاق رغم مسايرته للقوانين العالمية يبقى غير مفعل، لماذا برأيك؟ الحديث عن قانون المعاق الصادر في 8 ماي 2002 حديث ذو شجون، ننظر إليه نحن المعاقين على أنه المفتاح السحري لكل مشاكلنا، رغم ما يحويه من نقائص، ولعل أكثر المواد التي تخدمنا هي المادة 27 منه، التي تتحدث عن إنشاء صندوق يتكفل بتلبية احتياجاتنا المادية، غير أن التجسيد على أرض الواقع يبقى مغيبا لأسباب نجهلها، لذا نتمنى من الجهات المعنية أن تأخذ قانون المعاق بعين الاعتبار، وتعمل على تفعيله، لتضع حدا أمام ما نعنيه من مشاكل، وتحديدا في مجال الشغل، إلى جانب تفعيل المجلس الاستشاري للمعاقين، والموجود ككيان، لكن دون فعالية.
فيما يتمثل دور المجلس الاستشاري للمعاقين؟ المجلس الاستشاري للمعاقين يتكفل بمهمة السهر على تطبيق القانون الخاص بالمعاق، أي أنه همزة وصل بين المعاق والجهات المعنية، غير أنه، للأسف، لا يعمل لأن القانون ببساطة لم يعرف سبيلا للتطبيق.
ينص قانون المعاق على تشغيل 1 بالمائة، ما مدى التزام المؤسسات بتطبيقه؟ حقيقة القانون وإن كان مجحفا في حقنا، بإقرار نسبة التشغيل بواحد بالمائة، وهذا يعتبر من النقائص التي شملها القانون، إلا أن المؤسسات عموما، ترفض الالتزام به لغياب الإلزام، وبالتالي؛ ما الفائدة من إقراره إذا كان لا يطبق؟.
فيما تتمثل أهم النقائص التي يشملها قانون المعاق؟ إلى جانب ضعف المنحة التي ينبغي أن يعاد النظر فيها، بإجراء دراسة ميدانية حول الاحتياجات الحقيقة للمعاق، ونسبة التشغيل الضعيفة، أعتقد أن الخطأ الكبير الذي يحويه القانون، أنه عبر عن المبلغ الذي يمنح للمعاق على أنه ”منحة” وليس حقا، وكان من المفروض أن يكون حقا، لأننا من ذوي الاحتياجات، ومن حقنا أن يكون ثمة مورد مالي لدينا، لأننا نختلف عن غيرنا بإعاقتنا.
كيف تقيم نظرة المجتمع للمعاق؟ أختلف عن غيري من الذين يقولون؛ إن المجتمع الجزائري ينظر إلى المعاق نظرة مجحفة، لأن المعاق إن اقتنع بإعاقته، وأثبت وجوده في المجتمع، فإنه يتحول إلى نموذج يُحتذى به، لذا عليه أن يعزز ثقته في نفسه ويفرض وجوده، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أظن أن مجتمعنا يعتمد في تعاملاته على الجانب الإنساني، ويقدم الدعم لهذه الشريحة، ولعل أبسط مثال على ذلك، أن المعاق في الدول الأوروبية، لولا توفر الإمكانيات، لما استطاع النجاح لغياب الروابط الإنسانية، غير أن المعاق في المجتمعات العربية يستطيع النجاح، رغم افتقاره للإمكانيات، لأننا مجتمعات تربت على قيم مستمدة من ديننا الحنيف.
هل من كلمة أخيرة؟ أمنيتي الوحيدة في ظل جزائر تحتفل بخمسينية الاستقلال والشباب، أن يجد قانون المعاق السبيل للتطبيق، وأن يتم تفعيل المجلس الاستشاري لنفرغ من الحديث عن مشاكل تجاوزها الزمن.