استغلال البحوث العلمية ضروري للتخفيف من ظاهرة العنف في المجتمع قالت الأستاذة نوال عليوي، مختصة في علم النفس بجامعة بوزريعة ”2”، بمناسبة مشاركتها في الملتقى الدولي الأول حول مدى مساهمة البحث العلمي في حل مشاكل المجتمع المحلي: ”إن أهمية البحث العلمي تكمن في كونه عملية منتظمة، تهدف إلى التوصل لحل ظواهر سلبية أو مشكلات محددة باستخدام أساليب علمية مناسبة وهادفة، يمكن أن تؤدي إلى معرفة علمية جديدة ونافعة، وعلى ضوء هذا، فإن الجامعة الجزائرية، على غرار جامعات العالم، تسعى إلى تنمية وتطوير البحث العلمي مع محاولة ربطه بواقع المجتمع وما يتخبط فيه من مشاكل. بدأت الأستاذة نوال مداخلتها بالحديث عن العنف في المجتمع الجزائري، حيث قالت: ”لعل أبرز ظاهرة عانت منها الجزائر لمدة من الزمن، هي ظاهرة العنف التي مازلنا إلى حد الساعة نعاني من مخلفاتها، وهذا ما دفع بالعديد من الباحثين الأكاديميين إلى طرح هذه المشكلة الاجتماعية كموضوع للدراسة والبحث، بهدف التوصل إلى تفسيرات علمية نستطيع من خلالها طرح حلول ميدانية تساهم في التخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن العنف، ومحاولة الوقاية منها مستقبلا”. وأضافت في تعريفها للبحث العلمي قائلة: ”يعتبر البحث العلمي ذلك المجهود المستمر والدائم بهدف إنتاج المعرفة العلمية من خلال التتبع، التحري والتنقيب عن حل لمشكلة أو المساهمة في الوقاية”. وحول ظاهرة العنف التي كان موضوع محاضرتها، قالت: ”إنطلاقا من تضارب الآراء والتفسيرات حول العنف، ذهب الكثير من الباحثين إلى محاولة التعمق في هذه الظاهرة ودراستها من مختلف الجوانب، خاصة من ناحية كونها ظاهرة نفسية واجتماعية من قبل المختصين في هذا المجال، كباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع، وعلى الرغم من وجود محاولات عديدة لبحث العنف خارج الجزائر، بهدف طرح المشكلة والوصول إلى حلها، إلا أنها باءت بالفشل، لأنها لم تكن نابعة من صميم المجتمع الجزائري، ومن هنا تظهر أهمية البحوث العلمية على مستوى الجامعات الجزائرية في دراسة مثل هذه المواضيع”. طرحت الأستاذة نوال إشكالية ما يواجهه الباحث في الجزائر، حيث قالت: ”على رغم من وجود إرادة معلنة في الاستغلال الفعلي لنتائج البحث العلمي، تبقى مؤشراته في الجزائر ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى الطموحات، خاصة مع الإمكانيات المتاحة، وتشرح ذلك بالقول: ”نحن كباحثين في الميدان، نقف عند مواضيع مهمة تطرح للبحث الميداني، ولكن للأسف، غالبا ما تنتهي مهمتها بمناقشة الطالب لرسالته وتحصله على الشهادة الأكاديمية، لتبقى البحوث في الأدراج، مع وجود نسبة من البحوث العلمية التي تستفيد منها بعض مؤسسات المجتمع كالمدارس، ومراكز الرعاية النفسية والاجتماعية والمجتمع عامة، مثل ظاهرة العنف التي تمت دراستها لدى مختلف شرائح المجتمع من أطفال، مراهقين وشباب، في محاولة لمساعدتهم على تخطي آثارها السلبية. لخصت المتحدثة مداخلتها في جملة من المحاور، حصرتها في معرفة واقع البحث العلمي في الجزائر، والكشف عن الإحصائيات والبحوث العلمية المقدمة في موضوع العنف في المجتمع الجزائري على مستوى جامعة الجزائر ”2”، وما مدى تطبيق النتائج التي توصلت إليها هذه الأبحاث في الواقع الاجتماعي للمجتمع الجزائري، حيث قالت: ”يشير مفهوم العنف إلى أي سلوك يصدر من فرد أو جماعة تجاه فرد آخر أو أفراد آخرين، ماديا كان أو لفظيا، نتيجة الغضب أو الإحباط، أوالدفاع عن النفس أو الممتلكات، أو الرغبة في الانتقام من الآخرين، أو الحصول على مكاسب معينة، ويترتب عليه إلحاق أذى بدني أو مادي أو نفسي”. وكموضوع للبحث العلمي، جاء على لسان المتحدثة ”بأن تصاعد ظاهرة العنف في المجتمع منذ عدة سنوات، أدى إلى تنوع مظاهره وأشكاله، مثل الانتحار، القتل، الجريمة والشجار، وللوقوف عند الدوافع النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، لابد من البحث عن أسبابها عن طريق إخضاعها للبحث العلمي الدقيق، وحسب المتحدثة، فإن ”ظاهرة العنف تعتبر مشكلة خطيرة ومرضا نفسيا اجتماعيا أكثر من كونها جريمة، فهذه المشكلة لازمت الإنسان عبر العديد من المراحل وأصبحت منتشرة على نطاق واسع، وهذا ما جعلها تحتل صدارة الهرم بالنسبة للباحثين المهتمين بالظواهر الاجتماعية”. ونظرا لما تخلفه هذه الظاهرة من آثار بالغة ونتائج سيئة داخل المجتمع باختلاف مؤسساته، تقول الأخصائية النفسانية؛ انطلاقا من الأسرة إلى المدرسة، إلى المؤسسات الأخرى كالجامعة، ثم المجتمع، نلاحظ أنها أخذت طابعا جديا في المجتمع الجزائري، حيث أصبحنا نعيش على وقع اختطاف الأطفال، قتلهم واغتصابهم، وكلها أشكال من العنف تنذر بالخطر، ومن ثمة وبعد إطلاعنا على الأرقام، ازداد اهتمامنا بالموضوع، حيث سجلت مصالح الشرطة القضائية لوحدها أكثر من 815393 جريمة عنف في الفترة الممتدة من (2001 إلى 2009)، هذا ما أثار فضول الباحث العلمي الذي يسعى دائما إلى تحليل وتفسير المشكلات التي يتخبط فيها المجتمع، خاصة بالنسبة للباحثين النفسانيين والاجتماعيين، نظرا لارتباط العنف بسلوك الفرد والمجتمع. وحول البحوث العلمية في موضوع العنف على مستوى جامعة الجزائر”2”، كشفت المتحدثة عن وجود العديد من الأبحاث حول موضوع العنف في المجتمع الجزائري، كان بعضها مرتبطا بالعشرية السوداء ومخلفاتها نفسيا واجتماعيا، مع محاولة تلافي أثارها السلبية بتقديم توصيات وحلول ميدانية نابعة من نتائج البحث المتوصل إليها، كما تم تناول موضوع العنف كظاهرة لدى مختلف شرائح المجتمع؛ كالأطفال والشباب.. في مقارنة بين واقع البحث العلمي بالدول العربية والأجنبية، قالت المتحدثة؛ إن الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان تحتلان الصدارة من حيث التقدم في مجال استغلال البحوث العلمية، مقارنة بأوروبا التي تسجل تأخرا ملحوظا، أما البلدان العربية وبالرغم من الإرادة المعلنة، تبقى مؤشرات البحث العلمي فيها ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى الطموحات، خاصة مع الإمكانات المتاحة، وهو الحال بالنسبة للجزائر، فالمساعي واضحة نحو تحقيق بحث علمي هادف من خلال ضمان ترقية البحث الجامعي برد الاعتبار لوظيفة البحث داخل مؤسسات التعليم العالي، ودعم وتمويل الدولة للنشاطات المتعلقة بالبحث العلمي، حيث تم تنفيذ 280 برنامجا وطنيا للبحث، واعتماد وتمويل ما يزيد عن 5244 مشروع بحث، إلى جانب تنفيذ 218 مشروع بحث في إطار عقود واتفاقات دولية، واعتماد 680 مخبر بحث، مع تجنيد ما يزيد عن 15 ألف أستاذ باحث و2000 باحث دائم، إضافة إلى إشراك الأسرة الجامعية العلمية في الاحتكاك بالواقع الاجتماعي، كما تم تسجيل أزيد من 5866 نشرية ومجلة علمية، و14510 ملتقيات وطنية ودولية، ومناقشة أكثر من 23353 رسالة ماجستير، و4111 أطروحة دكتوراه، ومع ذلك، فلا يختلف اثنان حول أن واقع البحث العلمي في الجزائر لم يصل إلى المستوى المطلوب، حسب المقاييس العالمية”. وعلى مستوى جامعة الجزائر ”2”، سجلنا تقول الأخصائية النفسانية 32 رسالة ماجستير ودكتوراه فقط، تناولت موضوع العنف بالدراسة، كلها كانت دراسات ميدانية ولكننا لا حظنا أنه على الرغم من أن هذه الأبحاث العلمية مع ما قامت به من بحث ميداني، يكون مركزا أساسا عل دراسة تأثير متغير العنف على متغيرات نفسية أو اجتماعية لدى الفرد، والخروج في نهاية البحث باقتراحات يغلب عليها الطابع النظري وصعوبة التحقيق على أرض الواقع. اقترحت الأستاذة نوال في ختام محاضرتها، جملة من التوصيات التي تعتقد أنها ضرورية لترقية وتطوير البحث العلمي ولعل أهمها؛ ضرورة إصلاح شامل ونوعي لسياسة البحث العلمي الجامعي، من خلال الاهتمام بالأستاذ الباحث ماديا ومعنويا بصفته محور أساسي لعملية البحث العلمي، مع وجوب التركيز على تنمية البحث التطبيقي وفق متطلبات وأولويات التنمية الوطنية، إلى جانب البحث عن آليات ناجعة لعمليات المتابعة، التقييم والتحفيز لمراكز البحث والمخابر، مع العمل على سن التشريعات المناسبة لتنظيم البحث العلمي في مؤسساته، وخلق جسر تواصل بين النتائج المتوصل إليها والمجتمع.