''العنف الأسري وانعكاساته على الوسط الشباني''، كان موضوع ملتقى وطني نظم مؤخرا بجامعة بوزريعة '',''2 حيث أشرفت جمعية ترقية الفتاة على تأطير فعالياته بعد وقوفها من خلال عملها الميداني على تفاقم ظاهرة العنف الأسري بالمجتمع الجزائري، ولأن من أهم مسبباته الجانب التربوي، كان لابد من فسح المجال للاختصاصيين النفسانيين وبعض إطارات الدولة ذات الصلة، على غرار وزارة التضامن الوطني، وزارة الأسرة والمجتمع المدني، لتشريح الظاهرة في محاولة للخروج ببعض التوصيات والعمل على تفعيلها ميدانيا. احتكت ''المساء'' ببعض المتدخلين، وعادت لكم بهذه التحليلات لظاهرة العنف الأسري بالمجتمع الجزائري. العنف الأسري حالة مرضية دخيلة على مجتمعنا. قالت السيدة عائشة بن شلبي، رئيسة جمعية ترقية الفتاة في كلمتها الافتتاحية؛ ''إن العنف هو ظاهرة عالمية تمس الدول الغنية والفقيرة، غير أنها كظاهرة تبدأ بالأسر في شكل اعتداءات متكررة على الزوجة أو الأبناء، وتمتد إلى الشارع وغيرها من التجمعات البشرية، وتعد ظاهرة مرضية دخلت إلى المجتمع الجزائري، فعاثت فيه فسادا، نتيجة للآثار الوخيمة التي تترتب عنها، والمتمثلة في التفكك الأسري الذي بات يمثل مشكلة ويطرح بشدة. وأضافت في ذات السياق قائلة: ''التواجد الميداني للجمعية عبر مختلف الأحياء جعلنا نلمس مدى تفاقم الظاهرة بالأسرة تحديدا، ما يجعل حرية الأفراد تمس، انطلاقا من هذا، رغبنا في تنظيم هذا الملتقى للوقوف على بعض العوامل التي ولدت العنف بالمجتمع الجزائري، وبحكم تجربتنا، نعتقد أن من أحد أهم مسببات العنف بالأسر الجزائرية هي تعاطي الكحول و المخدرات، إلى جانب تفشي الأمراض النفسية والاجتماعية بين المتزوجين، ما أدى إلى اضطراب العلاقة بين المتزوجين في ظل غياب التواصل. وأمام كل هذا، نعتقد كمجتمع مدني -تضيف المتحدثة- '' أن من بين الحلول المقترحة في محاولة للحد من الظاهرة أو على الأقل، التخفيف من حدتها، هو تقديم ما أمكن من الاستشارات النفسية والاجتماعية للأسر، ناهيك عن تفعيل دور المرشد الديني لحماية المجتمع من مختلف مشاكل العنف الأسري التي هي -في حقيقة الأمر- ظاهرة غربية على مجتمعنا. العنف الأسري يؤثر مباشرة على الأطفال. تناولت السيدة كريمة مقطف مستشارة بوزارة الأسرة، من خلال مداخلتها، مدى التأثير الكبير للعنف الممارس داخل الأسرة على الأطفال، حيث دقت ناقوس الخطر لوقوفها على ما تعانيه هذه الفئة البريئة من مشاكل تولد لديهم العديد من الاضطرابات النفسية في السلوك والشخصية على حد سواء، حيث قالت: ''المجتمع الجزائري ليس بمنئ عن ظاهرة العنف، غير أن مخلفات العشرية السوداء فاقمت الظاهرة، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة الأسرة في محاولة منها لاحتوائها، من خلال ما تعده من استراتيجيات، غير أن الأمر لا يكفي، إذ لابد من تظافر كافة الجهود. وجاء على لسان المحاضرة، أن الدراسة التي قامت بها وزارة الأسرة في 2008 على المستوى الوطني، كشفت عن تسجيل 9000 ضحية، وتبين من خلال الدراسة أن العنف الأسري، خاصة بين المتزوجين، يتصدر القائمة، غير أن أكثر ما لفت انتباهي -تقول السيدة كريمة- هي آثار العنف التي تمس بالدرجة الأولى الأطفال، وهو ما جعلني أقوم بدارسة في2010 مست حوالي 100 طفل، إذ تبيّن من خلال هذه الدراسة، أن الأطفال يتأثرون بطريقة أو بأخرى بما يصيب والدتهم من عنف، ويظهر على تصرفاتهم وسلوكهم وحتى في طريقة تعبيرهم، ولأن هؤلاء الأطفال، مع مرور الوقت، يتحولون إلى أرباب أسر ويكوّنون عائلات، كان لابد من الاهتمام بهم خاصة من الجانب النفسي، في محاولة لتقويم سلوكهم. الحد من العنف الأسري يكمن في تكوين المقبلين على الزواج تناولت السيدة مليكة بن عودة، مديرة مركزية بوزارة التضامن الوطني في مداخلتها، إشكالية دور المؤسسات والمراكز والمصالح المتخصصة في التكفل بضحايا العنف الأسري، حيث قالت: ''أقامت وزارة التضامن الوطني العديد من المراكز عبر كافة التراب الوطني، للتكفل بمختلف شرائح المجتمع الضعيفة والمعنفة، حيث تم تدعيم هذه الأخيرة بفرق عمل متخصصة في القضايا النفسية والاجتماعية، وأمام تفاقم ظاهرة العنف الأسري، لجأت الوزارة إلى تفعيل دور الوسيط الاجتماعي الذي تعهد إليه مهمة التكفل النفسي بهذه الفئات المعنفة، عن طريق محاولة حل المشاكل العائلية. وحول ما إذا كان تفاقم الظاهرة راجع إلى تقصير هذه المصالح في أداء دورها، ردت: ''لا يعني تقصير المراكز، لأن وزارة التضامن قامت في مطلع 2010 بتنصيب مصالح على مستوى مديريات النشاط الاجتماعي للإصغاء إلى الفئات المعنفة ومن الذين يعانون من وضع صعب، بغية إرشادهم وتوجيههم والعمل أيضا على تسوية وضعيتهم، غير أن الخلل في اعتقادي، تضيف السيدة مليكة، يكمن في الأسرة التي أصبحت لا تعي دورها كما يجب، علاوة على اهتمامها بالأمور المادية، فمن خلال احتكاكي ببعض الشباب من الذين يسارعون إلى الارتباط، تكوّن لدي وعي بأن هذه الفئة لا تدرك حقيقة الزواج، وإنما تمارسه كواجب شرعي، وهذا ما جعلهم غير واعيين بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، من أجل هذا، تستطرد المتحدثة، اختلت الأسرة الجزائرية. أين الحل؟ تطرح المتحدثة السؤال وتجيب قائلة: أعتقد أن الحل يتمثل في الاعتناء أكثر بالأسرة وبتربية الناشئة، عن طريق تنظيم دورات تكوينية لفائدة المقبلين على الزواج، لتوعيتهم بحجم المسؤولية التي تنتظرهم، وهذا ما تعمل عليه اليوم وزارة التضامن الوطني، من خلال الدخول في مشروع توعية الشباب حول أهمية الأسرة والحياة المشتركة، عن طريق الاستثمار في اختصاص تكوين المشرفين على تكوين المقبلين على الزواج كاختصاص قائمة بذاته. العنف الأسري مرجعه الاضطرابات السلوكية تناولت السيدة سامية جلواح، أخصائية نفسانية وعضو في جمعية تضامن إيدز، من خلال مداخلتها حول دور المجتمع المدني في كيفية التعامل مع العنف الأسري، وتحديدا عند المصابين بمرض الأيدز، من منطلق أن هذه الفئة قد تعاني معانات مضاعفة من جراء الإصابة بالمرض من جهة، ومن العنف الذي قد يسلط عليها من جهة أخرى، إذ يتمثل عملنا كمجتمع مدني -تضيف المتحدثة- في التكثيف من اللقاءات والأيام التحسيسية، وعن طرق تفعيل العلاجات الجماعية، أي نجمع الأسر مع بعضها البعض ونعمل على طرح المشكل الذي تولد عنه النزاع، ونسعى لحله برضا كل الأطراف، غير أنه تبين لنا من خلال العمل، أن مرجع النزاعات العائلية التي يتولد عنها العنف هو الجانب المالي الذي يحدث الإضطرابات السلوكية ويتولد عنه العنف، من أجل هذا، قمنا كمجتمع مدني بمساعدة بعض الفئات لتتمكن من شق طريها عن طريق إنجاز مشاريع مصغرة، كما قمنا أيضا بتوعية النساء حول الطرق المتوفرة ليتمكنّ من الاعتماد على أنفسهن في الشق المادي، الأمر الذي يسهل عليهن الاندماج بالمجتمع. وجاء على لسان المتحدثة، أن ما ينبغي إدراكه عند وقوع النزاع، هو ضرورة اللجوء إلى العيادات النفسية والأخصائيين النفسانيين الذين يشخصون الحالة، ويقترحون الحل، على اعتبار أن لديهم نظرة علمية وموضوعية للنزاع، خاصة إذا علمنا أن أغلب النزاعات الأسرية المولدة لحالة العنف تنتج عن أسباب غير مقصودة، مردها الاضطرابات السلوكية التي قد يعانيها الفرد جراء واقع معين. العنف الأسري مرجعه الجنس ألذكوري ركزت السيدة شائعة جعفري رئيسة المرصد الجزائري للمرأة في مداخلتها، للحديث على ظاهرة العنف بالوسط الأسري على المرأة، على اعتبار أنها الركيزة الأساسية التي عن طريقها تُكوّن الأسر، حيث قالت: ''الحديث عن العنف بالوسط الأسري، يقودنا مباشرة إلى الحديث عن العنف الممارس على المرأة الذي يعرف منحنى تصاعديا، وهو ما تؤكده الأرقام المسجلة، ففي آخر إحصائية لمصالح الأمن لسنة ,2011 كشفت عن تعرض 7032 اِمرأة لحالة عنف، بينما أفادت مصالح الدرك عن تسجيل 5000 حالة وهي في الواقع أرقام مخيفة، غير أنني أحمل الجنس الذكوري مسؤولية العنف الذي تعيشه المرأة اليوم، لأنه ببساطة تخلى عن إطاره المرجعي، وهو الدين الحنيف الذي أوصاه بضرورة حماية المرأة، على اعتبار أنها أمانة في عنقه، وهو ما لا نجده اليوم في تعامل الرجل مع المرأة، الأمر الذي أخرج النزاعات العائلية إلى العلن، من جهة أخرى، حملت المرأة المعنفة أيضا جانبا من المسؤولية، حيث قالت: '' أعتقد أنه آن الأوان لتمحو المرأة أميتها القانونية وتبحث عن ما لها من حقوق لتمارسها وترفع الأذى عنها، خاصة إذا علمنا أن جانبا من العنف الذي يمارس عليها من دون مبرر. وعن دور المرصد كمجتمع مدني في الحد من ظاهرة العنف الأسري، وتحديدا الممارسات المسلطة على المرأة، جاء على لسان المتحدثة أن المرصد يعمل على التوعية والتحسيس من خلال تفعيل دور الوسائط الاجتماعية، غير أن هذا يظل غير كاف، لأنني أعتقد -تستطرد المتحدثة- أن العمل التحسيسي ينبغي أن تتولاه المساجد، بحكم أن المجتمع الجزائري الممثل في الرجل يتأثر بالخطاب الديني، وبالتالي حبذا لو تبرمج مثل هذه الخطب للحد من العنف المسلط على المرأة من طرف الرج