دعا المشاركون في الملتقى الدولي الأول الذي احتضنته المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة مؤخرا بعنوان “ما مدى مساهمة البحث العلمي في حل مشكلات المجتمع المحلي؟”، إلى ضرورة الاهتمام بالبحوث العلمية التي تتناول القضايا الاجتماعية، مع وجوب تفعيلها على أرض الواقع لحل مختلف المشكلات كي لا تظل حبيسة الأدراج. قال الدكتور مسعود طايبي، رئيس قسم الفلسفة المسؤول عن تنظيم الملتقى، في حديثه ل “المساء”، أن الهدف من تنظيم هذا اللقاء العلمي الدولي الأول من نوعه، هو توعية الأساتذة والباحثين الجامعين والطلبة، ب«ضرورة الاهتمام بالبحوث التي تتناول القضايا الاجتماعية ومحاولة حلها لتحقيق الانسجام بين المجتمع، الجامعة والبحوث التي يتم تناولها في هذا الإطار”. والملاحظ أن البحوث العلمية بالجزائر والدول العربية عموما، تتجه نحو الاعتماد على الطريقة النظرية، والأكاديمية البحتة في إنجاز البحوث، كما تعتمد التركيز على الجوانب المجردة دون الاهتمام بواقع المجتمع المحلي، “من أجل هذا نلمس غياب الانسجام بين ما يعده الطلاب من عمل علمي وما يحدث في مجتمعاتهم من مشاكل”، يقول الدكتور طايبي، الذي يعتقد أنه حتى تكون للبحث العلمي قيمة، لابد له أن ينطلق من واقعه وأن يبحث عن الحلول التي تسهم في معالجة الإشكالية، لابد أيضا على الجهات المعنية أن تعتمد ما توصل إليه الباحثون على أرض الواقع، لأن بقاء نتائج البحوث في أدراج الجامعات يفقد البحث العلمي ماهيته، وهي عموما الإشكالية التي حاول الملتقى مناقشتها والخروج بتوصيات ترفع إلى الجهات الوصية. ومن جملة التوصيات المقترحة، وجوب توجيه الباحثين لاختيار مواضيع تعنى بالقضايا الاجتماعية والعمل على تفعيلها، للاستفادة منها والابتعاد عن حصر المواضيع في نظريات صاغها الغرب حتى تكون البحوث فعالة ويستفيد منها المجتمع المحلي. وقد عرف الملتقى الذي دامت أشغاله يومين، مشاركة عدد كبير من الأساتذة والدكاترة من داخل الوطن وخارجه، حيث طرح كل مشارك خلاصة دراسته حول بعض البحوث العلمية التي تناولت عناوين مختلفة، منها مشكلات البحث العلمي في الجامعة الجزائرية، ومشكلات البحث العلمي في حل معضلة التسرب المدرسي في المجتمع الجزائري، ودور البحث العلمي الجامعي في بحث ما تعانيه شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي حديثها ل “المساء”، قالت الدكتورة سامية ابريعم من جامعة أم البواقي، التي ألقت محاضرة بعنوان “البحوث العلمية في علم النفس وعلاقتها بمشاكل المجتمع الجزائري”، أنها انطلقت في دراستها من عينات لبحوث أنجزت بجامعة أم البواقي وباتنة، وقد تبين لها أن الطلبة عموما أولوا أهمية للبحوث العلمية في مجال علم النفس، ويظهر ذلك في المواضيع التي تناولوها مثل موضوع العنف المدرسي، والصدمة النفسية، وكانت بحوثا في المستوى عموما، غير أن المشكل المطروح، أن هذه الأخيرة لم تتطرق بصورة دقيقة إلى الحلول التي تخدم المجتمع المحلي من ناحية، ومن ناحية أخرى تبين أن بعض الباحثين اعتمدوا على الذاتية في صياغة البحوث ما يجعل أعمالهم بعيدة عن الواقع. ولا يستفيد المجتمع الجزائري إلا من نسبة 10 بالمائة فقط من نتائج البحوث المتوصل إليها حسب المتحدثةو حيث قالت “أغلب البحوث الجامعية غير معتمدة من الناحية الواقعية، إذ تبقى المذكرات على مستوى الجامعات وكأنها أنجزت لتشرح ظاهرة ما، أو للحديث عن أسبابها فقط، من أجل هذا نسعى من خلال هذا اللقاء الى المطالبة بتفعيل العلاقة بين أصحاب القرار بمختلف أجهزة الدولة على جميع المستويات وبين الباحثين، لاختيار المواضيع الهامة التي ينبغي وضع حل لها، فمثلا عند اختيار موضوع يخص العنف بالمجتمع الجزائري، ينبغي على الباحث أن ينطلق من وزارة العدل التي تقترح عليه المواضيع الواجب تناولها في هذا الإطار، كونها أدرى بمشاكل المجتمع. وتشير المتحدثة إلى وجوب إيجاد حل للفجوة الموجودة بين أصحاب القرار بالمؤسسات المختلفة، وبين المواضيع المختارة بالبحوث، كما ينبغي على الباحثين الاتصال بالجهات ذات الصلة بمواضيع بحثهم لمعرفة الإشكالات التي تخص المجتمع ومحاولة إيجاد حلول عملية لها. من جهتها، تحدثت الأستاذة سناء الباروني من جامعة جندوبةبتونس، المشاركة بدراسة حول الجدل الذاتي والموضوعي في الخطاب العلمي، عن التشابه الكبير في طريقة تناول البحوث العلمية بكل من تونس والجزائر، حيث قالت في تصريحها ل المساء “، أن الطريقة التي يتم بها تناول البحوث في كل من الدولتين تقترب من الذاتية، وهي أعمال مجردة لا تقترب من الواقع المعيش، من أجل هذا تقول أعتقد أنه على الباحث العلمي بدول المغرب العربي اليوم أن يتجه نحو معالجة ما تعانيه المجتمعات من مشاكل على جميع الأصعدة، وأن تواكب المواضيع المختارة مختلف المستجدات التي تحدث في مختلف المجالات الاجتماعية والنفسية، وأن توجه بالدرجة الأولى لخدمة واقع المجتمع المحلي”. أما الأستاذة سليمة قاسي المشاركة من جامعة أم البواقي فقد اختارت مناقشة إشكالية واقع البحوث العلمية في التكفل بقضايا التربية، حيث سلطت الضوء على النقص المسجل في البحوث العلمية التي تخص الكتاب المدرسي الذي يعد قطب المعرفة، بينما انساقت معظم البحوث المنجزة للحديث عن الأستاذ والتلميذ فقط. وفي حديثها ل “المساء” قالت “ من أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال الاطلاع على بعض البحوث الأكاديمية بجامعة قسنطينة، تبين لي أن هناك نسبة ضئيلة جدا من الباحثين اهتمت بواقع الكتاب على الرغم من أهميته في تسيير المنظومة التربوية، لذا أطالب بضرورة إعطاء أهمية أكبر عند تناول البحوث لكل القضايا التي تعني قطاع التربية على جميع مستوياته، وحتى تكون البحوث العلمية مفيدة للمجتمع وتسهم في حل بعض مشاكله، لابد أن تقدم للباحثين تسهيلات تمكنهم من القيام ببحوث ميدانية لتكون النتائج مفيدة وفعالة، على غرار إبرام اتفاقيات شراكة بين وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي واقتراح المواضيع المهمة على الباحثين لتحقيق الهدف المنشود من البحوث”.