عجز الأساتذة والباحثون المشاركين في الملتقى الدولي الأول، حول مدى مساهمة البحث العلمي في حل مشاكل المجتمع، عن الاستدلال بمشكلة اقتصادية أو ظاهرة اجتماعية ساهمت البحوث والدراسات العلمية في حلها في ظل القطيعة بين البحث العلمي والمحيط الإجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو الواقع الذي يعكس أزمة البحث العلمي في الوقت الراهن - حسبهم - نظرا لبقاء كل البحوث العلمية مجرد اجتهاد لا يكاد يخرج عن نطاقه الأكاديمي. شكل موضوع الملتقى الدولي حول مدى مساهمة البحث العلمي في حل المشاكل المطروحة في المجتمع المحلي بالمدرسة الوطنية العليا للأساتذة، ببوزريعة، أول أمس، محور النقاش الذي خاضه أساتذة وباحثون أكدوا من خلال مداخلاتهم العلمية في مختلف التخصصات أن البحث العلمي عاجز عن حل المشاكل المطروحة في المجتمع وأن أعمال الباحثين و المختصين تبقى نظرية لا علاقة لها بالواقع المعيشي للفرد الجزائري على وجه الخصوص والعربي بصفة عامة، وهو ما جعل هذه البحوث العلمية حبيسة أدراج المكتبات أو سلة المهملات على حد تعبير هم. كانت نقطة البداية في عرض المداخلات من جمهورية تونس، تحديدا جامعة جندوبة، حيث أكدت الأستاذة سناء الباروني، من خلال حديثها عن الخطاب العلمي وأثره في منظومة الواقع المعرفي، أن البحث العلمي رهين الجدل بين الذات و الموضوعية، وأن إخراجه من التصنيف الجامد الذي لا علاقة له بالحراك الاجتماعي لا يكتمل إلا في ظل التجديد وإلغاء ما تجاوزه الزمن. وأثبتت نتائج الدراسة التي أجريت حول نوعية خدمات البحث العلمي التي وضفتها الأساتذة كركوش فتيحة، بجامعة البليدة، في حديثها عن علاقة البحث العلمي وإمكانيات التنمية بالجزائر، أن نوعية هذه الخدمات ضعيفة، في محاولة منها لفهم واقع البحث العلمي والعمل على استثمار نتائجه واقعيا، ولا يرتبط البحث العلمي بمشكلات ذات الصلة بالواقع الاجتماعي و الاقتصادي، وبالتالي صار أمام تحديات مزدوجة تتمثل في التحديات الداخلية وأخرى خارجية تتجلى في كيفية إثبات وجودنا في ظل عالم المعرفة المتغير، مشيرة إلى أن إهمال البحث العلمي سيعمق من عوامل تخلفنا، وهو الأمر الذي يستدعي إيجاد توازن بين مضمون البحث العلمي وحاجيات المجتمع، وركزت في حديثها على نوعين من مستلزمات التنمية وهما المناخ العام والباحث باعتباره رأس المال البشري الذي تتوقف عليه القدرة على فهم المشكلات وحلها، و بالعودة إلى المعطيات الموجودة فإن عدد مشاريع البحث التي وصفتها منذ سنة 1962 إلى سنة 2002 معتبر، إلا أن فعاليتها منعدمة تماما، وتوضح المقارنة التي أجرتها أن حجم الإنفاق العام في الدول الأجنبية على البحث العلمي يفوق الإنفاق العام من ناتج الدخل القومي العربي في هذا المجال، أضف إلى ذلك أن نظرة صانع القرار للباحث هي نظرة ملؤها الشك تترجم حسبها في ظاهرة هجرة الأدمغة إلى الخارج التي تستنزف رأس المال البشري، بحيث تشير الإحصائيات التي استندت عليها إلى أن 57 بالمائة من الطلبة المنتمين إلى دول عربية لا يعودون إلى وطنهم الأصلي، و 31 بالمائة يستقرون في الخارج، وختتمت حديثها بالقول إن ضعف التنسيق واستثمار نتائج البحث العلمي يحيلنا إلى التأكيد على أن البحث العلمي في أزمة، واعتبرت بذلك أن العجز العلمي هو في الحقيقة أمر مصاحب لمجتمع لا يزال يعاني من الفقر وارتفاع مستويات الأمية كذلك، موازاة مع ذلك أكدت الباحثة سامية ابريعم، بجامعة أم البواقي، استنادا إلى نتائج الدراسة التي أجرتها حول مدى مساهمة البحوث العلمية في حل المشاكل النفسية في المجتمع، أن 10 بالمائة من الباحثين فقط أبدوا اهتمامهم بالتعاون مع أصحاب القرار، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بتعداد ما ينجز من بحوث علمية في هذا التخصص والتي وصلت إلى حد معالجة ظواهر تعد من الطابوهات في مجتمعنا على غرار ظاهرة الأمهات العازبات، زنا المحارم، و بالتالي كل ما تتوصل إليه هذه الدراسات يبقى حبيس جدران المكتبات.