ألغى الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، المناقصات التي سبق لحكومته أن نشرتها لإقامة مستوطنات جديدة في أراضي الضفة الغربية، بدعوى إعطاء فرصة للولايات المتحدة من أجل إعادة بعث مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني. وجاء قرار الوزير الأول في حكومة الاحتلال، بعد أن تعهد في وقت سابق لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بتقليص البناءات الاستيطانية ومنحه مهلة لبعث عملية السلام تنتهي منتصف شهر جوان القادم، قبل أن ينشر مناقصات جديدة لمشاريع استيطانية إضافية. ولكن المفارقة في القرار الإسرائيلي، أن وقف الاستيطان يشمل فقط المشاريع الضخمة التي تعتزم حكومة الاحتلال إقامتها في أراضي فلسطينية أدرجت ضمن الأراضي التي يشملها مخطط "الابتلاع "لاحقا. وأما المشاريع التي سبق وأن أعطيت إشارة انطلاقها وتضم آلاف الوحدات الاستيطانية، فإن القرار لا يعنيها مع أنها مشاريع قوضت كل حظوظ لتحقيق السلام. والمفارقة الأخرى، أن الوزير الأول الإسرائيلي لا يجد حرجا في الحديث عن منحه مهلة للإدارة الأمريكية من أجل بعث السلام المتعثر، مع أن الجانب الفلسطيني يصر على وقف كلي وشامل لكل المشاريع الاستيطانية كشرط للعودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات وليس الاكتفاء بتجميدها. وهو ما يعني أن إسرائيل لا تريد وقف الاستيطان، ولكن تجميده فقط ولمدة معينة، مما يعني أنها ماضية في الاستيلاء على أراضي الدولة الفلسطينية التي ادعت الإدارات الأمريكية منذ الرئيس الأسبق جورج بوش إقامتها، وفق مبدأ "حل الدولتين" الذي روجت له، ولكنها فشلت في تجسيده أمام ضغوطات اللوبي اليهودي المتغلغل في دواليب دوائر اتخاذ القرار الأمريكي وعجزت التخلص من قبضته. والحقيقة، أن الجانب الفلسطيني من وجهة نظر أخلاقية لا يمكنه العودة إلى المفاوضات، وهو الذي رفض منذ سبتمبر 2010 استئنافها، في رد فعل آنذاك على مشاريع استيطانية أطلقتها حكومة الاحتلال ضمن خطة مسبقة من أجل إجهاض مسار السلام سواء رعته الولاياتالمتحدة أو اللجنة الرباعية. ثم أن القرار الإسرائيلي ما هو في الحقيقة سوى محاولة لذر الرماد، ومجرد تنميق لصورة حكومة الاحتلال حتى تحاول تلميع صورتها بأنها تبحث عن السلام رغم أن كل تصرفاتها وقراراتها تذهب إلى نقيض ذلك. ولم يكن قرارها الأخير حتمية قبول الفلسطينيين بمبدأ "يهودية إسرائيل" كشرط قبل العودة إلى المفاوضات، إلا أكبر عقبة وضعتها أمام مسار السلام الذي ادعى نتانياهو أنه سيمنح فرصة لإدارة الرئيس باراك أوباما من أجل استئنافه. وهي خطة ذكية ابتدعها الوزير الأول الإسرائيلي من أجل رمي الكرة في ملعب الجانب الفلسطيني، وتحميله مسؤولية عدم استئناف مسار السلام لعلمه المسبق أن الفلسطينيين لن يقبلوا أبدا بإعطاء الصفة الدينية لدولة تدعي العلمانية والديمقراطية، من منطلق أن تبعاتها ستكون كارثية على قرابة مليوني فلسطيني ممن رفضوا مغادرة أراضيهم في فلسطين التاريخية، وتغلق الطريق أمام عودة حوالي خمسة ملايين من فلسطينيي الشتات من العودة إلى وطنهم. ويمكن القول، إن الشرط التعجيزي الداعي إلى الاعتراف بيهودية إسرائيل بقدر ما هو ضربة لمسار السلام ومساعي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فإنه يبقى أيضا ضربة ذكية في ظهر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي طالب خلال زيارته الأخيرة إلى فلسطينالمحتلة بمنحه مهلة شهرين من أجل إعادة بعث مسار السلام. ولا يستبعد نتيجة لذلك، أن يقر كيري بفشله في إجلاس الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الطاولة وحتى وإن تمكن من تحقيق هذا الاختراق، فإن ذلك لن يكون سوى لقاء برتوكولي تلتقط فيه الصورة التذكارية، ليفترق مفاوضو الطرفين وتبقى دار لقمان على حالها، مادامت إسرائيل لا تؤمن بالسلام بقدر ما تؤمن بضم كل فلسطين وفق نظرية من البحر إلى النهر.