بدأت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في تسويق بضاعة إدارتها الجديدة بخصوص الاستيطان في محاولة لطمأنة العرب على الانقلاب الحاصل في موقف بلادها تجاه الاستيطان الذي اعتبرته في وقت سابق عقبة في طريق السلام قبل أن تتراجع وأكدت أنه لا يحول دون استئناف مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. واختارت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية مدينة مراكش المغربية حيث التقت بنظرائها في الدول العربية للترويج لمثل هذه السلعة التي لم تعد تقنع أحدا وراحت تزعم أن موقف واشنطن لم يتغير باتجاه هذه القضية ولكنها قبلت فقط بمواصلة الحكومة الإسرائيلية لعمليات الاستيطان في حدود مقبولة. ولم تكتف هيلاري كلينتون بذلك فقط بل ذهبت إلى حد الدفاع عن الموقف الإسرائيلي وقالت إن تأثيراته ستنعكس على عملية السلام بشكل إيجابي. وتطابق موقف الحكومة الإسرائيلية ونظيرتها الأمريكية حول عملية الاستيطان عندما تمكن الوزير الأول بنيامين نتانياهو من تمرير موقفه على واشنطن وأقنعها بعدم الاعتراض على مواصلة حكومته لعمليات الاستيطان من خلال التستر وراء فكرة وضع ضوابط وقيود على عمليات الاستيطان فقط بما يعطيه مجالا واسعا للتحايل وإتمام مشاريعه الاستيطانية بتزكية أمريكية. وعندما نعلم أن نتانياهو نفسه فتح الطريق على مصراعيه أمام أكبر المناقصات لبناء آلاف الوحدات السكنية في الأرض الفلسطينية ندرك أن الوزير الأول الإسرائيلي إنما أراد من خلال استعماله مصطلح تقييد الاستيطان التمويه على سياسته الاستيطانية التي أكدت كل التقارير أنها لم تعرف مثيلا لها منذ عدة سنوات إرضاء لليهود المتطرفين الذين انتخبوا حكومته وأصبحوا يشكلون الغلبة في الكيان الإسرائيلي المحتل. ويبدو أن كلينتون نسيت أو تناست أنها قبل أشهر هي ورئيس إدارتها الرئيس اوباما أكدا مرارا أن واشنطن تصر على وقف الاستيطان واعتبراه بمثابة العقبة التي حالت دون إعادة بعث مسار السلام. ولا يمكن لهيلاري كلينتون أن تدعي أنها نسيت الضجة والتصريحات النارية التي كان يطلقها نظيرها الإسرائيلي افيغدور ليبرمان الذي جاهر بعدائه للإدارة الأمريكية وقال أن بلاده لم تعد تلك الدولة التي تتلقى تعليمات من الخارج بخصوص سياستها الخارجية. وكانت الرسالة واضحة باتجاه الرئيس الأمريكي الذي حاول جعل قضية المفاوضات من أولى أولويات سياسته الخارجية تماما كما هو الأمر بالنسبة للعراق وأفغانستان ولكنه أدرك أسابيع بعد ذلك أنه أخطأ تقدير الموقف بخصوص قضية مفاوضات مسار السلام في الشرق الأوسط ليبدأ انقلابا تدريجيا على موقفه اختارت كلينتون جولتها الأخيرة إلى المنطقة للجهر به. ولم تجد كلينتون حرجا من الضحك على أذقان الفلسطينيين وكل العرب عندما طالبت في مدينة مراكش المغربية من إسرائيل أن تتخذ إجراءات ايجابية باتجاه الفلسطينيين وهي التي اعتبرت أن موقف الحكومة الإسرائيلية بتقييد عمليات الاستيطان بالخطوة العملاقة وتنازل لم يسبق للفلسطينيين أن حصلوا عليه. وبالعودة إلى تجارب التعامل مع الحكومات الاسرائيلية فإن السؤال الذي يطرح هو: ماذا يمكن لحكومة عنصرية ومعادية للفلسطينيين أن تقدمه لهم حسب زعم كلينتون وهي التي ضربت جوهر عملية السلام في الصميم إذا سلمنا أن كل مفاوضات السلام تتم من أجل الأرض التي سيقيم الفلسطينيون دولتهم فوقها ويصر الإسرائيليون على عدم قبولها ويعملون على اقتطاع المزيد من مساحاتها بدعوى التوسع الطبيعي للمستوطنات. والمفارقة أن الولاياتالمتحدة لا تجد مانعا في ممارسة كل ضغوطها على السلطة الفلسطينية لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكنها تتودد لإسرائيل من أجل اتخاذ قرارات إيجابية باتجاه الفلسطينيين وخاصة ما تعلق برفع القيود العسكرية في الضفة الغربية ردا للجميل على ما اتخذته السلطة الفلسطينية من إجراءات لضمان أمن إسرائيل. وهي مطالب ما كان لوزيرة الخارجية الأمريكية أن تطالب بها إذا علمنا أن مثل هذه المطالب أصرت عليها اللجنة الرباعية ونتائج مؤتمر انابوليس الذي وعد فيه الرئيس الأمريكي المغادر بإقامة الدولة الفلسطينية قبل رحيله ولكنه أخلف وعده.