بتوجيه الولاياتالمتحدةالأمريكية نداء آخر للمجموعة الدولية من أجل وضع حد لدفع الفدية المفروضة من قبل الجماعات الإرهابية مقابل إطلاق سراح الرهائن، تكون واشنطن قد جددت تأييدها للمقاربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب، والتي ترتكز بالأساس على تضييق الخناق على منابع الظاهرة التي لم تعد تستثني أي دولة. فقد دقت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى منظمة الأممالمتحدة، السيدة سوزان رايس، خلال اجتماع مجلس الأمن المخصص للسلم والأمن في إفريقيا، ناقوس الخطر إزاء تنامي استعمال جماعات "منظمة القاعدة في المغرب الإسلامي" وتابعيها عمليات الاختطاف من أجل تمويل الإرهاب، داعية المجموعة الدولية صراحة إلى عدم تجاهل هذه الجريمة والكف عن دفع الفدية. وبذلك، تكون واشنطن قد تبنت موقف الجزائر بخصوص هذه المسألة، لاسيما وأنها الدولة المبادرة بتجريم دفع الفدية من خلال تقديمها للائحة بهذا الخصوص على مستوى مجلس الأمن سنة 2009، غير أن رؤية بعض الدول الأوروبية ظلت رهينة مصالح ضيقة من باب تأمين أرواح رعاياها، مما جعلها تخل بالاتفاقات التي تنص على اعتماد آليات فعالة لمكافحة الإرهاب، اعتقادا منها بأن الظاهرة لن تمسها. في حين أكدت رايس ضرورة التجند الجماعي ضد الآفة انطلاقا من أن "فقدان حياة آلاف الأشخاص يذكرنا بأن آفة الإرهاب تمسنا جميعا وأن مكافحتها تتطلب إرادة متقاسمة وجهودا مشتركة". كما أكدت واشنطن تقاسمها الجزائر في رؤيتها القاضية باعتماد مقاربة إجمالية لا "تدرج الجهود التكتيكية وتعزيز القدرات من أجل مواجهة الاعتداءات وتفكيك الوسائل التي يتوفر عليها الإرهابيون فحسب بل تتطلب القيام بمبادرات استراتيجية". مع السعي للقضاء على عوامل تنامي الظاهرة، كما هو الشأن لمكافحة الفقر والرشوة وتشجيع التنمية من خلال الاستثمارات الاقتصادية والأنظمة التربوية والصحة ووجود عدالة ذات نوعية. وبما أن أكبر العمليات الإرهابية تشهدها المنطقة الإفريقية بسبب تداعيات الأزمات التي عرفتها بعض الدول على إثر ثورات الربيع العربي، فقد أوضحت المسؤولة الأمريكية أن الإرهابيين في إفريقيا ما زالوا يمولون نشاطاتهم بطرق غير قانونية وبوسائل "تتعقد أكثر فأكثر"، مشيرة في هذا الصدد إلى الفدية وتهريب الأسلحة والمخدرات والمتاجرة بالأشخاص. واغتنمت ممثلة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأممالمتحدة هذه الفرصة للتطرق إلى ضحايا الإرهاب وعائلاتهم، منهم الذين ذهبوا ضحية الاعتداء الإرهابي ضد مركب تيقنتورين (إن أمناس) في جانفي الماضي وكذا ببن غازي وبوسطن وكاراتشي وموقاديشو. وعليه، أشارت السيدة رايس إلى أن الجماعات الإرهابية ما زالت تهدد السلم والأمن والاستقرار في إفريقيا وأن التعاون والتحرك الدولي والإقليمي "مكن من المساهمة في إضعاف الجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدات خطيرة على بلدان بأكملها". واعترفت بأن القاعدة والمجموعات التابعة لها تبقى "خطيرة" ومع "هشاشة الحكومات الجديدة في شمال إفريقيا والاضطرابات في أجزاء أخرى من القارة فإن المتطرفين يستغلون أكثر فأكثر الحدود النفيذة والحياة السياسية والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وتراجع الانتباه إلى مكافحة الإرهاب من أجل تحقيق أهدافهم الإجرامية". وليست هذه المرة الأولى التي ترافع فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية لصالح منع دفع الفدية، بل ذهبت إلى حد فضح سياسة الكيل بمكيالين لدول أوروبية دفعت الأموال للإرهابيين، مقابل الإفراج عن الرهائن مثلما جاء في تصريحات السفيرة الأمريكية السابقة في مالي، فيكي هادلستون، منذ أكثر من شهرين، الأمر الذي يضع مستقبل مكافحة الإرهاب على المحك في ظل التطورات التي تشهدها بعض الدول وما لها من تبعات على المنطقة. ولا أدل على ذلك من أزمة مالي التي كانت نتيجة إفرازات الوضع الليبي بعد التدخل العسكري للناتو بهذا البلد. وكانت الجزائر قد نددت بما جاء في تصريحات السفيرة الأمريكية التي تؤكد مرة أخرى ازدواجية خطاب فرنسا في طريقة التعاطي مع الظاهرة عندما دفعت -حسب تصريحات السفيرة- 17 مليون دولار في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي لتحرير رهائن خطفوا في منجم لليورانيوم في النيجر عام 2010، وهي التي تقود اليوم الحرب بمالي باسم مكافحة الإرهاب. وليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها موضوع دفع فرنسا للفدية، حيث سبق لمراسل إذاعة فرنسا الدولية ووكالة فرانس برس في باماكو سيرج دانيال أن أشار في كتاب صدر مطلع 2012 إلى مبالغ دفعت كفدية للإفراج عن الرهائن بطريقة أكثر دقة. وتحرص الجزائر على أن منع دفع الفدية يعد من الحلول الضرورية لتجفيف منابع الإرهاب، انطلاقا من أن التفاوض مع الإرهابيين هو أحد أشكال دعم الإرهاب، وأن الفدية هي بمثابة شريان أساسي لتمويل هذه الآفة. وفي هذا الإطار، سبق لها أن أعربت على مستوى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، شهر أكتوبر الماضي، بجنيف، عن رغبتها الصريحة في مراجعة استراتيجية الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب. وتتضمن أبرز النقاط المدرجة في هذا الصدد، تعزيز التوصيات الأممية المتعلقة بتجريم الفدية ومنع الإفراج عن الإرهابيين كمقابل لتحرير الرهائن. ولأجل ذلك، حرصت اللائحة المرقمة 04/19 على التأكيد بأن البلدان الأعضاء في الأممالمتحدة ممنوعة من التفاوض والتعامل مع الأشخاص والتنظيمات المصنفة ضمن الإرهاب في قائمة الأممالمتحدة الخاصة بالإرهاب، مشددة على أن القرار يحمل صفة الإلزام القانوني. وتبرز تداعيات الإخلال باللائحة من قبل بعض الدول في الوضع الذي تشهده منطقة الساحل التي عرفت لسنوات عمليات إرهابية مختلفة، حيث كان الإرهابيون يتخذون من الفدية كوسيلة لتمويل عملياتهم الإجرامية، في الوقت الذي تشير فيه معلومات إلى أخذ القاعدة 5 ملايين اورو عن كل رهينة أفرج عنها، وجنيها ل150 مليون اورو من دول غربية مقابل إطلاق سراح رعايا ينحدرون من هذه البلدان.