كشف السيد مشاطي مهيرة رئيس جمعية ”تيديس” لعلم الآثار والسياحة، عن مشروع للتكفّل بالمدينة الأثرية تيديس، التي تقع ببلدية بني حميدان على بعد حوالي 30 كلم من مقر ولاية قسنطينة، وذلك في إطار مخطّط يرمي إلى حمايتها وتثمينها، حيث أكّد على هامش الاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية للسياحة والصناعات التقليدية، بحر الأسبوع الفارط، بنزل ”سيرتا”؛ تحضيرا لتظاهرة ”قسنطينة عاصمة الثاقفة العربية 2015”، على جاهزية الدراسة التي من المفترض أن يبدأ العمل بها من أجل تزيين هذا المتحف. هذا الموقع المتربع على مساحة أكثر من 40 هكتارا في الهواء الطلق يُعتبر كتابا مفتوحا لمن يريد السفر عبر التاريخ والاطلاع على حياة وعادات قرية بربرية تطوّرت منذ العهد النيوليتي، وهو العصر الحجري الحديث أو عصر الحجر المصقول، المتمثل في دولمانات، وهو حجر كبير مسطَّح موضوع فوق عدد من الحجارة المنصوبة، مرورا بالعديد من الحضارات على غرار البونيقية، البيزنطية، الرومانية والإسلامية، والتي تبقى شامخة وتأبى الاندثار إلى غاية اليوم. واعتبر السيد مهيرة مشاطي أنّ ترميم وتصنيف موقع تيديس ضمن التراث العالمي، يبقى الهدف الرئيس لعلماء الآثار وأمل جميع السكان، مضيفا أنّ العمل يجب أن يكون بتضافر الجهود، واهتمام ومساعدة السلطات العمومية بقسنطينة سيساهم، لا محالة، في تحقيق هذه الغاية والإسهام في تثمين هذا الموقع الأثري، الذي سيكون، حسب الدراسة المعَدة، مسرحا في الهواء الطلق على غرار المدينة الرومانية تيمڤاد بباتنة. وأكّد السيد مشاطي أنّ الدراسات التمهيدية الخاصة بهذا المرفق الثقافي التي أُسندت إلى مركز الدراسات والإنجاز في التعمير، استكملت مرحلتها الأولى، في انتظار الانتهاء من تصميم هذا المسرح، وفق الخصوصيات التاريخية والطبيعية والثقافية للموقع، حيث من المنتظر أن يكون مسرح الهواء الطلق، حسب الدراسة، محاطا بمرافق خدماتية ملحَقة لتحسين ظروف الاستقبال والنزهة، على غرار مطعم ومقهى، أكشاك صغيرة لبيع هدايا تذكارية مع اقتراح بناء متحف وفندق صغير ومطعم متخصص في الأطباق التقليدية المحلية للمنطقة، بالإضافة إلى تهيئة حظيرة لركن المركبات، وتوسعة الطريق الولائي الرابط بين الطريق الوطني رقم 27 وموقع تيديس على امتداد 7 كلم. ومن المنتظر أن تنجَز المرحلة الأخيرة من الدراسة،، حسب المتحدث، قبل نهاية عام 2014، تحسبا لتظاهرة ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية” لعام 2015. وحسب إحصائيات رئيس جمعية ”تيديس” فإنّ الموقع الذي يتواجد به ضريح ليليوس أورباكوس الحاكم الروماني المنحدر من منطقة تيديس، التي كانت في وقت سابق حصنا ومركزا متقدّما للدفاع عن سيرتا القديمة العاصمة الشرقية لمملكة نوميديا، يستقبل سنويا حوالي 30 ألف سائح بين زوّار جزائريين وأجانب وبعثات دبلوماسية أجنبية، وأنّ عدد العرب منهم لا يمثل سوى 1 % من الزوّار، وهو عدد ضئيل جدا، ليضيف أنّ من الضروري مواصلة الأبحاث من أجل إبراز الآثار التي خلّفتها عديد الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، وعدم الاكتفاء بالأبحاث التي أجراها الفرنسيون إبان الحقبة الاستعمارية، والتي ركّزت كثيرا على الآثار المسيحية في الحضارات البيزنطية والرومانية. ويأمل رئيس جمعية ”تيديس” أن يرى المشروع النور في أقرب وقت، وأن يكون ضمن مشاريع ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015”، خاصة أنّ الدولة وضعت إمكانات مادية وبشرية كبيرة لإنجاح التظاهرة، مضيفا أنّ مشروع تهيئة تيديس أُعلن عنه سنة 2008 لكنه لم ير النور واكتفى ببعض الأمور البسيطة البعيدة عن تطلّعات المهتمين، والمطالبين بإبراز هذا المعلم التاريخي الذي يُعدّ من المواقع الأثرية الرائعة المتناثرة عبر التراب الوطني، وشاهدا على تاريخ الجزائر القديم الذي يعود إلى آلاف السنين. للإشارة، فإنّ الموقع الأثري يضم مغارات ومقابر وحفريات مستحجرة ماتزال شاهدة، إلى حدّ الآن، على عصر ما قبل التاريخ، الذي كانت خلاله هذه المنطقة أرضا آهلة وملجأ ومكانا محميا لضمان البقاء وسط محيط لا يرحم آنذاك، فنقلا عن أرشيف الولاية فإنّ آثار هذا الموقع كانت كلّها تحت التراب قبل أن تُكتشف على أيدي متخصصين فرنسيين، وبمساهمة من الجمعية الأثرية لمتحف غوستاف مرسيي، وهو متحف سيرتا الوطني بقسنطينة حاليا. واستنادا إلى نفس المراجع، فإنّ الحفريات الأولى الجادة تمت خلال عام 1941 تحت إشراف المهندس أندري بارتيي، الذي كان متخصصا في علم الآثار ومديرا لنفس المتحف. وكشفت هذه الحفريات وجود كتابات ليبيكية وعديد الرموز على أوان فخارية، تدل على الأصل البربري لهذا الموقع الأثري الجميل الذي سُمي أيضا ”كاستلوم تيديتا نوروم”، والتي تعني ”الحصن القديم” الذي يشبه كثيرا سيرتا القديمة، والذي لم يصنَّف معلما تاريخيا وطنيا إلاّ عام 1992، الأمر الذي يستدعي اهتماما أكثر لجلب سياح من داخل وخارج الوطن، وذلك على غرار تيمڤاد بولاية باتنة أو جميلة بالقرب من سطيف.