عندما يصدح شعراء الشعبي بقصائدهم تحس في ذلك الصداح الصدق، التلقائية والحكمة المستخلصة من التجارب الحياتية، التي تُعد سمة من سمات الشعر الشعبي منذ مئات السنين، التي تُبرز بكل صدق أخلاقيات الجزائري المتمسك بقيمه الدينية والحضارية والإنسانية. وتأتي مناسبة اليوم الوطني للفنان لتقوم جمعية “الكلمة” للثقافة والإعلام باستضافة مجموعة من الشعراء والشاعرات لإحياء أمسية شعرية أول أمس بالمركز الثقافي “عز الدين مجوبي”. الشعراء الذين شكّلوا الكلمة الجزائرية المصدوحة من خلال حناجر المطربين والمطربات مايزالون يتعهدون الكلمة الجميلة بالبحث والتجديد، ومن هؤلاء الشعراء الذين صدحوا في الأمسية الشعرية الشاعر كمال شرشار، نور الدين بوديسة والشاعرة الجزائرية المتميزة كريمة مختاري، التي فتحت الأمسية بقصيدة تندرج في قالب الافتخار والاعتزاز بالأصل، والتي كان مطلعها “من بلعباس جاية للعاصمة”. كريمة مختاري شاعرة مطبوعة متأصلة، ينبع من بين شفتيها الشعر عذبا رقراقا بكل تلقائية وصدق، وفي تسلسل يؤكّد أنّه غير متصنّع ولا يتبعثر في البحث عن الجملة الشعرية، بل هو نسيج وتطريز للكلمات أينما وضعتها؛ سواء في القصيدة الغزلية أو الرثائية أو الوطنية. ومن القصائد التي شنّفت بها أسماع الحاضرين قصيدتها “قبل ما نشوفك” التي تقول في بعض مقاطعها: ”قبل مانشوفك كنت عادي في عادي وأياماتي ڤاع محسوبة عادة أنت عادي وأنا كتشفت العادي عاديك العطر وأنايا الوردة” وأجمل ما ألقت الشاعرة كريمة مختاري قصيدتها الموسومة ب “عقد العربيات”، وهي قصيدة رثائية في الرئيس الراحل صدام حسين، والتي مطلعها “عقد العربيات في الأرض تزربع”. كما ألقت الشاعرة قصيدة أخرى جاء في مستهلها: ”بلا ما ندري حكيتها لحباباتي قلتلهم عندي حبيب يقول الشعر إذا وليت نتهنتك في تنهاتي وقلت ميات سؤال يحيّر”. أما الشاعر كمال شرشار فقد تميّزت قصائده بالحكمة والتجربة الحياتية؛ حيث ألقى قصيدا جاء فيه: ”جيت نجري وخفت نعثر أمشيت بعقلي وبقيت التالي”. وقصيدة أخرى جاء في مستهلها: “فكريني إذا أنسيت وصوّبيني إذا خطيت”. وقصيدة غزلية قال فيها: ” أنا فتحت قلبي مرة وحدة دخلت روح وحدة ورتاحت فيه” ولم ينس الشاعر الشعبي مفاخر الثورة الجزائرية وتاريخ الآباء والأجداد الذين حرّروا الجزائر من أبشع احتلال عرفته الإنسانية، فكان نوفمبر من إحدى روائع شعره؛ حيث يقول: “يتشوّك لحمي مكلمت نوفمبر تتفجر مهجتي ونحب أنطير ما نكتب من غير كلمت نوفمبر مكتوبة بالذهب فوق قماش أحرير” أما الشاعر نور الدين بوديسة فردّد قصيدته التي تتميّز بالحكمة والتجربة الحياتية والتي كان مطلعها: ألّي يبيع الورد معروف عند الناس ولّي غرسو وسقاه حد ما يسمع بيه أنا الّي تجرعت وشربت شحال من كاس كل كاس شربته فكرني بحكاية”. كما ألقى بعض الشعراء الهواة قصائدهم الشعبية التي لم تخرج كغيرها عن أغراض الحب والوطن والحكمة.