سليمان جوادي ما يزال بمرح الطفل وبمشاكسة الشباب وبتمرد الشعراء، يزرع الكلمة والابتسامة ويوغل في العشق ويستريح في عمق الوجع ليصوغ منه درر القصيد...استضافته الجمعية الثقافية ''الجاحظية'' لأمسية أوقد من خلالها زيت القصائد واقتفى قوافل الشعراء ليأخذ الجمع الحاضر إلى الجمال بلونيه القاني والأبيض ليكتب اخضرار الوطن. في البداية كانت كلمة الاطرء والترحيب من رئيس الجاحظية الدكتور محمد تين بالشاعر سليمان جوادي حيث قال: » نرحب بالشاعر سليمان جوادي الشاعر الذي طالما سطع نجمه في فضاء الأدب الجزائري الى جانب رفاق آخرين، لا أجد الكلمات التي تفي بالترحاب به، كان لقائي معه في بداية السبعينيات من القرن الماضي ضمن الشعراء الشباب الذين يقبلون على عالم الشعر بكل ما تجلى وما يخفيه له المستقبل، لكنه كان يسير بخطى وئيدة معبرا عن شعوره ومشاركا شعبه كل تطلعاته وآماله وهذا ما تريده الجاحظية.. تواصل الأجيال«. سليمان جوادي اقترح في بداية الأمسية على الجمع الحاضر قراءة عدة قصائد، استهلها بقراءة قصيدة قالها في المرحوم عمر البرناوي الذي قال عنه » شخص احترمه كثيرا وكان له الدور الكبير في حياتي الاجتماعية والمهنية، حيث كنت اشتغل موظفا في الشركة الوطنية للكهرباء والغاز فجاءني عمر للمكتب وقال لي ''اخرج من هذا المكتب ليس مكانك هنا'' ومن يومها التحقت بالعمل الصحفي في مجلة ''ألوان'' سنة ,1977 كما كان له الفضل - عمر البرناوي- في تعييني مدير للثقافة بولاية الجلفة«. ويضيف الشاعر سليمان جوادي، أن القصيدة التي يلقيها على الجمع الحاضر تحمل عنوان ''رثاء صوت'' نظمت عندما فقد المرحوم عمر البرناوي صوته حيث يقول في مطلعها جوادي: » ماعسى ينفع صوت في بلاد أخرصت كل محبيها يا رفيقي أيها الساكن في نبض القصائد سوف تبقى دون أن تنطق في عمق المسرات وعمق الشدائد...«. كما ألقى الشاعر قصيدة نظمها في خصال الشاعر الجزائري محمد أبو القاسم خمار يقول في مستهلها: » خانني الشعر يا صريع القوافي ورمى بي إلى السنين العجاف« كما ألقى قصيدة مطولة تحمل عنوان ''سليمان'' يقول فيها: » أفتش عن غير وجهي لألقى الأحبة مبتسما مثلما عهدوني أفتش عنك سليمان يا رجلا ضيعته المدينة والمشكلات الصغيرة« ولم ينس الشاعر الرئيس الراحل هواري بومدين وكانت قصيدة جياشة صادقة العاطفة، قال فيها الشاعر سليمان جوادي في رثاء الرئيس الراحل هواري بومدين: »كلهم يا رفيق المساكين يرحل ويذوب غير أنك يا سيدي توغل في القلوب كلهم يا دفين الحناجر يرقد تحت التراب يسكن أقصى الأقاصي ويدخل من كل باب غير أنك وحدك تسكن في همسات الصبايا وفي صرخات الشباب«. ولم تغب الكلمة الشعرية الجميلة عن سليمان ليروي قصته مع مدينة وهران الساحرة التي بحث فيها عن أصدقائه فلم يجدهم في وهران، تبقى القصيدة قصيدة عتاب لكنها قصيدة جميلة في مدينة جميلة، يقول في مستهلها: »لوهران سحر العواصم لكنها لا تحب مواجهة الريح إن دهمتها شمالا وهران فاتنة حنكتها التجارب لكنها اتبعت غيّها واتبعت غير الصلاح مثالا«. مرتع الصبا ومربعه حيث يولد المرء ويبقى سره مربوطا هناك، وحتى صرخته الأولى تملأ ذلك المكان، لم ينس الشاعر مسقط رأسه ''كوينين'' بوادي سوف الذي فجر فيه ينابيع الشعر فقال فيه: » كوينين هل ادّعيك مقاما؟ وأنت التي سكنت دواما حملتك عشقا كبيرا وحبا جميلا وقوما أباتا كراما« سليمان جوادي شاعر الرقة والأغاني العاطفية الجميلة، حيث كون هو ومحمد بوليفة ثنائيا غنائيا منفردا، فسليمان نظم أحسن الأوزان وبوليفة سكب أعذب الألحان، أطرب في هذه الأمسية الشعرية الجميلة مستمعيه بالقصائد الغزلية كتلك التي يقول في مطلعها: » قومي اخرجي من داخلي من واقعي قومي ارسميني... ارسمي حزني ومأساتي انت شخص أرى في ذاته ذاتي« وقصيدة أخرى قال فيها: » لو أنصفوني لمارست الهوى علنا وصغت منك الهوى ظل مختزنا« وقصيدة أخرى يقول فيها: » إيه جزائر هل أفضي بما أجد وأترك الشعر في عينيك يتقد؟« وكانت آخر قصيدة ألقاها الشاعر سليمان جوادي في أمسيته الشعرية قصيدة ''رصاصة لم يطلقها حمة لخضر''، القصيدة كتبها جوادي سنة 1982 وألقاها في مهرجان محمد العيد آل خليفة في طبعته الأولى ونشرت بجريدة ''النصر'': »سمير تحاصره الآن مسغبة... ولكنه حينما مات أضاء الجزائر كل الجزائر مات شهيدا وظل شهيدا«. وجاءت القصيدة طويلة ورائعة. للتذكير، فإن سليمان جوادي من مواليد 12 فبراير سنة 1953 بجامعة وادي سوف، خريج دار المعلمين ببوزريعة والمعهد الدرامي، اشتغل في الصحافة بكل من: مجلة ''الثقافة''، ''الشعب''، و''الوحدة''، كما أنتج عدة حصص تلفزونية وإذاعية مثل ''الساقية والخيمة''، له ملحمة الجزائر وقصائد وطنية اخرى مثل ''حاجيني يا جدي''، غنى له عدة مطربين أمثال بوليفة، مصطفى زميرلي، عبده درياسة وغيرهم.