يعتقد الشاعر الجزائري ناصر الدين باكرية، المتنافس في مسابقة أمير الشعراء التلفزيونية، أن هذه المسابقة قدمت خدمة لا تنكر للشعراء لا للشعر العربي، إذ أدخلتهم عالم الشهرة، واختصرت سنوات وربما عقودا لإيصال الشاعر صوته لجماهيريتها العالية، وقيامها على استرايجية واضحة ودقيقة في التسويق، حيث أعادت للشعراء بريقهم وأعادتهم إلى قيد الحضور. وأضاف الشاعر في حديث لموقع “ميدل إيست أون لاين” أمس، أن المسابقة كتجربة تلفزيونية لا تضاهيها تجربة أخرى، رغم أنها قد تكون أيضا سلاحا ذا حدين على الشعراء، فبقدر ما تعطي من نجومية وبريق بقدر ما تأخذ من ضرائب مرتبطة بالشهرة التي إذا لم يتنبه لها الشعراء ستساهم لا شك في توقفهم عن تطوير أدواتهم وتجاربهم. وأكد باكرية أن الشعر عموما والقصيدة الكلاسيكية بوجه خاص، لم يعد لها ذلك البريق الذي كان لأسباب ذاتية وموضوعية، “فموضوعيا، نحن نعرف أن الشعر كان يقوم بوظائف متعددة، حيث كان وسيلة الإخبار والترفيه الوحيدة، وكان يقوم بوظيفة ترفيهية ووظائف أخرى عديدة”، وأردف يقول؛ “لا أظن عاقلا يعتقد أن أي قصيدة مهما بلغت حدود الدهشة تضاهي فيلما كوميديا ترفيهيا، ومهما بلغت حدود الجماهيرية أن تعبئ وتجيش كما يفعل تقرير مصور على قناة تلفزيونية”. ونقل الموقع الإخباري اعتقاد باكرية أن الشعر طاقة تخيّلية وبإمكان الشاعر الذي يملك موهبة وذكاء شعريا أن يبدع بتلك الطاقة في شتى مجالات الحياة، وأن يُزامن عصره ويواكب تطوراته، وإلا فسينقرض الشعر والشعراء إذا لم يتنبهوا إلى أن العصر يجري بوتيرة أسرع من أحلامهم الوئيدة، وأن الذائقة المعاصرة وطبيعة الحياة والوتيرة السريعة التي تجري بها الحياة المعاصرة تتسع للقصيدة الكلاسيكية، خاصة الطويلة في زمن “الفايسبوك” و”تويتر”. وأشار باكرية إلى أنه لم تعد هناك شعرية واحدة، وقال: “هناك شعريات متعددة؛ شعرية السينما، شعرية المسرح، شعرية الإعلام، شعرية النثر وشعرية الحياة بأكملها، لذلك فالدراسات النقدية المعاصرة لم تعد تبحث عن غير الشعرية نفسها بغض النظر عن الأشكال، فالعالم الآن يشهد انهيارا فظيعا للحدود، وعولمة تتسرب في كل شيء، بداية من تحول العالم إلى قرية صغيرة إلى ذوبان الحدود وتلاشيها بين الأجناس الأدبية وحتى غير الأدبية، لذلك أصبح الحديث عن شكل القصيدة متجاوزا وغير ذي جدوى. وأكد أن أزمة الشعر العربي هي نفسها أزمة الإنسان العربي، وهي ما تقدم في حديثنا من ضرورة مواكبة ما يحدث في العالم، وهي العولمة التي طالت كل شيء حتى الأجناس الأدبية، أزمته هي أيضا الطبيعة الإقصائية والإلغائية في الإنسان العربي الذي لا يعترف بالآخر، والتطرف يمينا ويسارا، “فمن السخيف أننا لا نزال نتحدث عن شرعية قصيدة النثر، وأن فينا من لا يزال يتعصب لعمود الشعر بطريقة مقرفة، ومن يعتبر الحداثة في التفعيلة والنثر بتطرف ليس أقل سوءا من تطرف المدافعين عن الرواية باعتبارها ديوان العصر، إننا كما قال القصيمي، لا نزال ظاهرة صوتية بامتياز”. وتمتد علاقة الشاعر الجزائري ناصر الدين باكرية مع الشعر إلى سنوات الصغر، وقد طور هذه العلاقة إلى تجربة ناضجة تتمتع بصوفية شفافة على مستوى رؤيتها، لغتها ونسيجها، وقد تجلى ذلك في ديوانين مطبوعين، توج بجائزة رئيس الجمهورية “علي معاشي” لتشجيع المبدعين الشباب في طبعتها لسنة 2009 عن ديوانه الشعري “انتماءات لعينيها فقط”، وحاليا يمثل الجزائر في الطبعة الخامسة لمسابقة أمير الشعراء بالإمارات العربية المتحدة.