عاش قطاع الصناعة بالجزائر ثلاث مراحل أساسية هي: مرحلة البناء والتطوير 1966-1986 ومرحلة الانكماش 1987-1989 ومرحلة الاستقرار والانتعاش بعد 1999. وصادقت الحكومة مؤخرا على استراتيجية صناعية جديدة تتضمن جملة من الإجراءات لإعطاء دفع لهذا القطاع، وذلك بالاعتماد أكثر على الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، وكذا الشراكة مع الشركات الأجنبية، والهدف هو الانتقال بمساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام إلى 10 بالمائة. فأمام الواقع الاقتصادي الصعب للغاية الذي سجل غداة الاستقلال، قررت الحكومة الجزائرية وضع سياسة صناعية تعتمد أساسا على التصنيع الثقيل بدل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الذي اعتبرته السلطات حينها الحل لبعث الاقتصاد الوطني وتحسين معيشة المواطنين. ولأن الجزائر اختارت النهج الاشتراكي بعد الاستقلال، فإنها استوحت التجربة الصناعية من البلدان الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي سابقا. ولتحقيق ذلك أقدمت الحكومة على تأميم مختلف القطاعات الصناعية كالأسمدة والصناعات الغذائية لتصل إلى تأميم المحروقات عام 1971. وعلى هذا القطاع العمومي الكبير، قامت أولى ملامح الصناعة الجزائرية، إذ بلغت نسبته أكثر من ثلثي الإنتاج الوطني الإجمالي وإلى جانبه كان يوجد قطاع مختلط بين العام والخاص، وقطاع خاص مملوك من أفراد غالبيتهم من التجار والمزارعين الصغار والمتوسطين. وكان هدف السلطات حينها، استغلال المحروقات لإقامة صناعة ثقيلة تكون ركيزة لاقتصاد وطني متكامل ومتنوع، اقتناعا منها بأن الصناعة الخفيفة لن تؤدي هذا الغرض. ووظفت لذلك عشرات المليارات من الدولارات في قطاعات اعتبرت استراتيجية، لاسيما البتروكيماء وكذا صناعة الصلب والصناعات الميكانيكية ومواد البناء. وبلغت الاستثمارات في الصناعة 5 مرات الاستثمارات في الزراعة. واحتلت الصناعة في الخطط التنموية الثلاث التي وضعتها الجزائر المكانة الأكبر من حيث الاستثمارات الموجهة لها. وتمكنت الجزائر بالفعل من إنشاء مجمّعات صناعية كبيرة ومتطورة من الناحية التكنولوجية أهمها وأشهرها مركب الحجار للحديد والصلب. وفي أوائل الثمانينات، تم الشروع في مسار للتعديل الهيكلي للقطاع العمومي، من خلال تحويل كبريات المركبات والشركات إلى أحجام متوسطة متخصصة مهنيا. وترافق هذا التعديل الهيكلي مع التطهير المالي للمؤسسات بعد الصدمة النفطية لسنة 1986 والتي أدت إلى تسجيل تراجع في الاستثمارات مع الدخول في مرحلة من الانكماش. وشرع سنة 1988 في إصلاحات مست أنظمة التسيير وإعادة تنظيم المؤسسات، من خلال مرورها إلى دور الاستقلالية سنة 1989، وهو ما أدى إلى إنشاء المؤسسات ذات الأسهم. وتواصل تنازل الدولة عن تسيير المؤسسات العمومية الاقتصادية إلى غاية سنة 1995 مع إصدار الأوامر المتعلقة بتسيير رؤوس الأموال التجارية للدولة، بالإضافة إلى الأمر المتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية، وهو ما أدى إلى تسريح آلاف العمال. من جهة أخرى، تم وضع صيغة (البنك-المؤسسة) سنة 1997 من قبل السلطات العمومية لدعم المؤسسات في مجهوداتها الرامية لتصحيح وضعها. وفي إطار انفتاح الاقتصاد الوطني وبداية مسار الانضمام إلى منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، فقد كان من المفروض أن تتم تهيئة المؤسسة لمواجهة المنافسة. ولهذا تم سنة 1999 وضع برنامج وطني للتنافسية الصناعية يتضمن عمليات تتعلق بإعادة التأهيل والمطابقة مع المقاييس الدولية، إضافة إلى إعادة الاعتبار للمناطق الصناعية ومناطق النشاط. وكانت النتائج المتحصل عليها من إجراءات التطهير المالي والمؤسساتي، دليلا واضحا على أهمية تحسين مناخ الأعمال لأجل تطوير قدرات القطاع الصناعي. ودخلت سياسة الخوصصة التي اعتمدتها السلطات العمومية منذ 1995 حيز التنفيذ، مع إصدار الأمر 01-04 لسنة 2001 ونصوصه التطبيقية. ويرجع سبب لجوء الجزائر لخوصصة مؤسساتها العمومية، إلى عدم نجاعة وفعالية هذا القطاع، وظهوره بصفة سلبية بعد انخفاض أسعار البترول، وتدهور وضعيته، مما شكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، في الوقت الذي كان فيه من الواجب أن يكون مصدرا للتمويل وتنمية الاقتصاد الوطني. كما شرع في إعادة التأهيل لتحسين مناخ المؤسسات على مستوى الملكية الصناعية، ووضع اتفاقيات الاعتراف المتبادل مع الدول الأوروبية بوجه خاص، فيما يمس النوعية والتقييس والقياسة وخاصة خدمات الدعم التقني والتكنولوجي الخاصة بالمحيط الآني للمؤسسات. ومن حيث نوعية الصناعات، فعكس ما كانت عليه الصناعة سابقا أي بداية السبعينات، انتقل التركيز من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة لاسيما الصناعات الغذائية المعدنية الحديدية 55 بالمائة من الإنتاج الصناعي الوطني، فيما أصبحت فروع الصناعات المعدنية الحديدية الالكترونية والكهربائية لا تشكل سوى 11 بالمائة من الإنتاج الكلي. وتم إطلاق استراتيجية صناعية جديدة، تهدف إلى إعادة الاعتبار للنسيج الصناعي الجزائري الذي أهمل تمام، ونظمت لهذا الغرض الجلسات الوطنية للصناعة أيام 26 و27و28 فيفري 2007، بمشاركة واسعة من الأطراف المعنية بالموضوع، وسمحت بتحديد التوجيهات الأربعة الهامة وهي : - تبني إطار مرجعي ونظرة جديدة للتنمية الصناعية. - تحديد مبادئ الاستراتيجية وتشكيل السياسات الصناعية. - سياسة تحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة. - تغيير النظام الاقتصادي ومواصلة تطبيق سياسات الإصلاح الهيكلي التي تم الشروع فيها منذ بداية التسعينات، وبالخصوص الإصلاح البنكي، بروز سوق رؤوس الأموال، إنشاء سوق للعقار الاقتصادي، تعزيز وتقوية الشفافية على مستوى سوق السلع والخدمات وقواعد المنافسة لصالح المستهلك. كما تم تحديد ثلاثة أنماط من الفروع الصناعية التي تمتلك قدرات للتنمية وهي: الصناعات الموجهة إلى الأسواق العالمية ذات الطلب القوي، والتي ترتكز على تحويل المواد الأولية مثل : البيتروكمياء فرع الأسمدة والنسيج ومنتوجات الكمياء العضوية والمعدنية، الصناعات الصيدلانية والبيطرية، صناعات الحديد والصلب، الصناعة المعدنية غير الحديدية (الألمنيوم)، صناعة مواد البناء، الصناعات التي تربط تنميتها بوجود صناعات أخرى مثل الصناعات الغذائية والصناعات المعدنية الميكانيكية الكهربائية والإلكترونية. فضلا عن ترقية الصناعات الجديدة أو تلك التي يسجل فيها البلد تأخرا والتي تؤثر سلبا على الاقتصاد مثل: الصناعات والخدمات المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال وصناعة السيارات. وتحدد دور الدولة في إطار الاستراتيجية الصناعية الجديدة في ”التخطيط والتسهيل” الذي يظهر من خلال تحديد الفروع الواجب تنميتها، تمويل المشاريع وتوفير المناخ المناسب للاستثمار ودفع عمليات البحث والتكوين. كما أعطى صناع القرار أهمية قصوى لبعض الصناعات الجديدة والتي ينعدم وجودها بالجزائر، مثل صناعات تكنولوجيات الإعلام والاتصال وصناعة السيارات، ويرجع الاهتمام بمثل هذه الصناعات لإدراكهم بمدى ثقل أعباء التقدم العلمي والتكنولوجي الوارد من البلدان المتقدمة. ولتجاوز هذه الوضعية، قامت السلطات العمومية بوضع سياسة خاصة تهدف إلى نقل التكنولوجيا، فيما طلبت من الشركاء الأجانب الراغبين في الاستقرار بالجزائر جلب التكنولوجيا وتكوين الإطارات الجزائرية على كسب هذه التقنيات، وهي تدرك أن الإبداع وتثمين نتائج البحث العلمي تعتبر أيضا وسيلة لتقليص الفجوة التكنولوجية لدى المؤسسات. ولتقريب عالم الصناعة من البحث العلمي، قامت الحكومة بتطبيق برامج تهدف إلى تشجيع المؤسسات للإبداع، خاصة عبر منح جائزة وطنية للإبداع وإنشاء مراكز لدعم التكنولوجيا والإبداع.