المخترع محي الدين نوري موهبة نادرة في صنع الدّراجات الهوائية هو من مواليد 06 جوان 1963 بمدينة مفتاح (شمال شرق ولاية البليدة)، يعشق الدراجات الهوائية منذ نعومة أظافره إلى درجة أضحت لا تفارقه حتى في حياته الخاصة وفي فترات تنزّهه خارج البيت. دفعه الشغف الكبير بالدراجات إلى التفكير في استحداث نماذج خاصة ثلاثية العجلات، يمكن استخدامها حتى من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن نقص الإمكانات والدعم جعله يكتفي فقط بجعل هذه الموهبة هواية لا تفارق مخيّلته إلى حين تصبح حقيقة. يسعى المخترع الهاوي نوري محي الدين من خلال اهتمامه الشديد بالدراجات الهوائية، لتطوير هذه الموهبة التي طالما راودت تفكيره، ليقدّم منتوجا يرضي محبيه، ويعكس إرادة الشباب الجزائري في الإبداع رغم انعدام الوسائل اللاّزمة. حاول محي الدين الذي استقبل “المساء” في بيته في حديث شيّق شرح موهبته الفريدة من نوعها، المتمثلة في صنع الدراجات الهوائية ثلاثية العجلات بطريقة يدوية وبالمواصفات التي تتميّز بها الدراجات التي تُصنع بالمركّبات والوحدات الصناعية. وما زاد من جمال وتميّز هذه الدراجات، يقول المتحدث، هو الاعتماد الكامل على مسترجعات المعادن الحديدية والبلاستيكية في طريقة الصنع، على غرار الأنابيب الحديدية القديمة المستخدمة في إعداد الهيكل والمقود، إلى جانب المواد الأخرى التي تدخل في تجهيز المقاعد والدواسات والإطارات والروتوشات التزيينية الأخرى، موضحا أن نقص الإمكانات والوسائل المادية اللازمة والمعدات يشكل عائقا كبيرا في صنع مثل هذه الدراجات بالشكل المطلوب، وهو الأمر الذي يضطره إلى الاستنجاد بمسترجعات المعادن والبلاستيك في عملية الإعداد التي يعتمد في غالبها على التصنيع اليدوي ما عدا عملية التلحيم. وأبدى في هذا الإطار طموحا كبيرا في تطويره لها إلى المستويات العالمية المطلوبة في حالة توفّر الوسائل والإمكانات اللازمة، إلى جانب ورشة خاصة يزاول فيها أشغال التصنيع، مشيرا إلى تفكيره في تجسيد عدة مشاريع مماثلة في حال حصوله على الإمكانات المطلوبة والدعم المادي لتجسيد مشروعه، المتمثل في ورشة خاصة مجهزّة بالمواد الأولية اللازمة، وهو ما لم يتمكّن من تحقيقه بسبب دخله المحدود وغلاء أسعار هذه المواد في الأسواق.
دراجات هوائية تحمل كامل المواصفات وفي زيارتنا لمنزل محيي الدين، وقفنا على أولى الدرجات التي صنعها بمفرده السنة الماضية 2012، والتي استغرقت منه ثمانية (08) أشهر كاملة، دأب خلالها على إعدادها وتجهيزها بمختلف التقنيات والمواصفات التي تتميّز بها الدراجات الصناعية؛ من مكابح ومنقّل للسرعة ذي 04 درجات، إلى جانب مقعد أمامي مريح ومقعد خلفي يُستخدم لنقل الأغراض، مع وجود منبّهين صغيرين ومرآة عاكسة لتسهيل التنقل والحركة، كما قام بتزويدها بمحرك كهربائي لإعطائها قوة دفع إضافية لمساعدة الدواسات في التحرك. ولقيت هذه الدراجات، حسبما أوضحه صاحبها، تجاوبا وتقبّلا كبيرين من قبل المواطنين والأطفال، الذين أبدوا استغرابهم من كيفية صنعها من جهة، وإعجابهم الكبير بشكلها السياحي وسهولة حركتها من جهة أخرى، الأمر الذي جعلها حديث العام والخاص بالمنطقة. كما كانت لصحفي “المساء” فرصة اكتشاف وتجريب الدراجة الهوائية الثانية، التي قام المخترع محي الدين بتصنيعها خلال السنة الجارية 2013، والتي لا تختلف كثيرا عن سابقتها إلا فيما يخص المقود القابل للثني والغطاء العلوي للهيكل الشبيه بالقبّعة الصيفية، التي تُستخدم في الوقاية من حرارة الشمس، وهو ما زادها جمالا ورونقا أكثر.
درّاجات للمعاقين في الأفق وقد عبّر محدثنا عن رغبته الكبيرة في أن تجد هذه المشاريع الطموحة اهتماما ودعما كبيرين من السلطات العمومية والمسؤولين المحليين، إلى جانب الصناعيين المهتمين بتطوير هذه الإنجازات وجعلها في متناول المواطنين والراغبين في الاستفادة منها. وقال في هذا السياق إن هذه الدراجات تُعد الأولى من نوعها في الجزائر، حيث لم يسبق لأحد أن قام بتصنيعها بهذا الشكل، على حد تعبيره. وكشف محدثنا أيضا عن مشروع آخر هام في الأفق، يتمثّل في التفكير في تصنيع دراجات هوائية موجّهة خصّيصا لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة، في محاولة منه للحد من المعاناة التي تتخبّط فيها هذه الشريحة الحساسة من المجتمع، لاسيما فيما يتعلق بالتنقل؛ كونها مجهّزة بتقنيات تسمح للمعاقين بقضاء حاجتهم البيولوجية دون التنقل من مكانهم، ما يعطيهم راحة أكثر في قيادتها. وقال إن “هذا المشروع الطموح يبقى مجرّد فكرة واردة تنتظر التجسيد، فمن المقرر أن أنطلق في المراحل الأولى من تصنيعها خلال الأشهر القادمة”. وفي انتظار تجسيد هذا الابتكار الجديد يبقى السيد نوري محي الدين وغيره من المخترعين المبدعين في شتى المجالات، موهبة شابة تحتاج إلى للصقل والمتابعة الميدانية لجعلها أحد الأطراف الفاعلة في تحقيق التنمية ودعم منظومة الصناعة الوطنية.