استضافت الجمعية الفلسفية الجزائرية ضمن نشاطها المسطّر لشهر رمضان الكريم، الدكتورين المبرزين محمد القورصو ومصطفى نويصر، في ندوة تاريخية، فضلت أن يكون موضوعها “الصراع على الذاكرة”. وقد حضر الندوة مجموعة من المؤرخين والمفكرين المهتمين بحقل التاريخ والباحثين عن حقائقه. افتتح الندوة الأستاذ مصطفى نويصر، الذي رأى أن الصراع مازال مفتوحا إذا ما نظرنا إلى ما يدور في الساحة السياسية والإعلامية في كل من الجزائروفرنسا من جدل، مضيفا أن الفرنسيين أصدروا قانون تمجيد الاستعمار بينما نحن مازلنا نطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها المرتكَبة في حق الشعب الجزائري. وتساءل المحاضر: “الصراع عن أيّ ذاكرة؟! هل هي ذاكرة الفرنسيين في الجزائر، أم ذاكرة الجزائريين، أم ذاكرة مشتركة؟!”. وبادر المحاضر بالقول إنه يتناول الموضوع من زاوية تاريخية من حيث الصراع الذي له خلفية تاريخية بدأت في 1830 إلى أن توّج الفرنسيون الصراع مؤخرا، بتمجيدهم لوجودهم الاستعماري في الجزائر. وأضاف المؤرّخ نويصر أنّ الصراع بدأ عندما اعتُبرت الجزائر قطعة من فرنسا؛ حيث بدأ التنظير والبناء على هذا الأساس من قبل الفرنسيين؛ ضباطا ومبشرين ومؤرخين، معتبرين أن وجودهم شرعي، وأن الجزائر أرض رومانية مسيحية، تم تحريرها وإعادتها للفرنسيين، ومن هنا أسست جمعيات ونوادي، حيث نشأت في كل مدينة جزائرية جمعية ونواد تاريخية وأثرية لتمرير وتبرير فكرة الجزائر فرنسية. وأكدّ المحاضر على وجود هذه النظريات في كتابات المؤرخين الفرنسيين، الذين تناولوا فيها مرحلة الاحتلال ومرحلة استقلال الجزائر وخروجهم منها؛ حيث واصل أكثر من 150 مؤرخا فرنسيا كتابتهم عن فترة الحقبة الاستعمارية. كما لاحظ الأستاذ مصطفى نويصر أنّ الصراع بين المؤرخين الجزائريين والفرنسيين غير متكافئ، فمن حيث الإنتاج فلا مجال للمقارنة بينهما إطلاقا، فعدد الكتب التي صدرت من قبل الفرنسيين حول حرب الجزائر إلى غاية 1995، هو ألفا عنوان و4500 عنوان حول المرحلة كاملة. وأكّد المحاضر أنّ الفرنسيين منعوا عن الجزائريين الجانب التاريخي واعتبروه منطقة محرمة، وأوّل بادرة بدأت في كتابة التاريخ الوطني كانت سنة 1920؛ من خلال مدرسة التاريخ الوطني التي دشّنها توفيق المدني، الشيخ مبارك الميلي، عبد الرحمان الجيلالي ومحمد شريف ساحلي باللغة الفرنسية، وبعد الاستقلال وجدنا تاريخنا الوطني مرّ بمرحلتين؛ مرحلة الحزب الواحد ومرحلة التعددية في الجزائر، التي فتحت المجال للكتابة التاريخية الحرة، ويبقى أنه لا مجال للمقارنة بين ما كُتب في فرنسا وما كُتب في الجزائر؛ لأسباب كثيرة. أمّا الدكتور محمد القورصو فرأى، من جانبه، أن الموضوع يتعلق بالعلاقة العضوية بين التاريخ والدولة، فبنيامين سطورا روّج لمفهوم صراع الذاكرات، وهذا لا ينطبق على الجزائر؛ لأنها في مرحلة البحث عن ذاكرتها وعن تاريخها، ولم تدخل بعد في الصراع، فالبحث عن الذاكرة بحث عن الحقيقة التاريخية، فصراع الذاكرة موجود في الضفة الأخرى؛ لأنها تعاني من ثنائية متضادة، وقد لمسناها في حملة 25 فبراير 2005 لتمجيد الاستعمار في الجزائر، فهناك من الفرنسيين من عارضوا هذا القانون الممجد للاستعمار، كما وُجدت شرائح من اليمين ومن اليسار صادقت على هذا القانون. وأكّد القورصو أنّ فرنسا تعاني من عقدة اعتبرت فيها الجزائر جزءا من تاريخها؛ لأن المستعمرات هي من أسست الإمبراطورية الاستعمارية، فالأقدام السود مايزالون محل صراع حول الاستحقاقات بين الحزب الاشتراكي واليمين، أما فيما يخصنا نحن، فإننا نبحث عن الذاكرة لبناء أسس حول التاريخ الجزائري. ورأى الأستاذ القورصو أنّ التاريخ في الفترة الحالية، أخذ حيّزا كبيرا في المؤسسة السياسية؛ حيث تم تنصيب هيئات، وتكليف وزراء ومستشارين وجمعيات شبه رسمية بالجانب التاريخي؛ إذ أصبح التاريخ جزءا من النشاط السياسي، والهيئات مهمتها الرئيسة صناعة التاريخ، وأوّل مؤسسة تكفلت بصناعة التاريخ هي رئاسة الجمهورية. وختم الأستاذ محمد القورصو مداخلته بالقول إن التاريخ كان ولازال المنبع الذي ترتوي منه السلطة رغم أن النظام طلّق الشرعية الثورية.