في السلطة الفرنسية تقلدت مناصب خلال حرب الجزائر وصف المؤرخ الفرنسي، بنجامين ستورا، ما يحدث بين الجزائر وباريس بصراع الذاكرة، وحذر من اتساع الهوة بين البلدين وتأثيره في فرص المصالحة، وقال إن الأمر يحتاج إلى تشريح معمق يراهن على تحديات المستقبل حتى لا يستعمل التاريخ لتبرير إكراهات المستقبل ونقائصه، وأشار إلى وجود إجماع وطني داخل الجزائر حول تجريم الاستعمار، يقابله تباين في مواقف داخل المجموعة الفرنسية، مبرزا أنه بإمكان الأحزاب الفرنسية إدانة المؤسسة الاستعمارية بصفة رسمية. وقال المؤرخ والأستاذ في جامعة باريس الفرنسي، بنجامين ستورا، في حوار لمجلة “جون أفريك” في عددها الأخير، والتي اعتبرت أن مبادرة الجزائر بتقنين تجريم الاستعمار ردا على تمجيد باريس للاستعمار، إن الخروج من التنافس الحاصل حول اتساع حرب الذاكرة أمر في غاية الصعوبة، رغم اعتراف الرئيس الفرنسي في خطابه يوم 5 ديسمبر 2007 بقسنطينة بأن النظام الاستعماري كان جائرا، مشيرا إلى أن حتى الأحزاب اليسارية التي تدين الاستعمار كانت ممثلة آنذاك من خلال حكومة غي مولي بين 56 و57، وهي الفترة التي تزامنت مع معركة الجزائر. وأوضح أن وجود أشخاص في السلطة الفرنسية الحالية تقلدوا مناصب في المسؤولية خلال حرب الجزائر، يجعل من تحقيق إجماع فرنسي يدين الاستعمار أمرا في غاية الصعوبة ويزيد القضية تعقيدا وحرجا، عكس الموقف الجزائري الذي حقق إجماعا داخليا في إدانة النظام الاستعماري، داعيا إلى توجيه الجهود لمواجهة تحديات المستقبل لمنع استخدام التاريخ لتبرير القصور الحالي. وأبرز بنجامين ستورا أهمية الاعتراف بالأحداث التي وقعت خلال الحقبة الاستعمارية، في سياق التأسيس للاعتراف والاعتذار، مثلما فعل الرئيس الأسبق، جاك شيراك، سنة 2005 مع مدغشقر، والتصريحات الإيجابية التي أطلقها أثناء زيارته إلى الجزائر في 2003، والتي بعثت دينامية جديدة في اتجاه الحوار، الأمر الذي لم تبادر به فرنسا في خطاباتها حول الحرب مع الجزائر، مشيرا إلى فكرة ارتباط القومية والوطنية المسيطرة على عقول الفرنسيين بالإمبراطورية الاستعمارية، التي تزيد من صعوبة اعتراف فرنسا بأخطائها وجرائمها، وقال إنه من الصعب التفكير في مكان مثل مقبرة فاردان للمصالحة بين فرنسا وألمانيا، لتجاوز الأكمة مع الجزائر، دون الإشارة إلى الأسباب، والتي قد تعود إلى حجم الجرائم المرتكبة وطول مدة الاستعمار الاستدماري الذي دام قرنا ونصف القرن. وفي سياق بحثه عن حلول لهذه الأزمة المتصاعدة، دعا المؤرخ الفرنسي سلطات البلدين إلى البحث عن آلية أو مخرج مشترك من هذا الصراع، مقترحا التفكير في مصالحة تاريخية بين الثوار في الجزائر والمسؤولين الفرنسيين الذين عايشوا تلك الحقبة، كإحدى الطرق والسياسات التي من شأنها طي ملف الحقبة الاستعمارية بين البلدين، لأنه لا يمكن إحداث سلام بين ذاكرتين إلا بإحداث مصالحة بين الذين صنعوا تاريخ حقبتها.