تحولت العاصمة المصرية إلى قبلة لتحركات دبلوماسية مكثفة، رغم صخب المظاهرات والمظاهرات المضادة والتهديد والوعيد التي أصبحت ميزة أزمة وصلت إلى طريق مسدود. ولم تكن زيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون إلى القاهرة، إلا بداية لسلسلة زيارات أخرى لا تقل أهمية، اقتنعت أطرافها أن مصر أصبحت أشبه ببرميل بارود ينذر فتيله بالاشتعال في أية لحظة. وفي انتظار عودة آشتون في ثالث زيارة لها إلى القاهرة، لم تنتظر الولاياتالمتحدة وألمانيا طويلا وأرسلت جميعها موفدين عنها إلى مصر، للوقوف على حقيقة ما يجري ومعرفة الوضع من أفواه الفاعلين فيه. فقد وصل وزير الخارجية الألماني غيدو ويسترويل أمس، للقاء المسؤولين المصريين، على أن يعقبه نائبان عن مجلس الشيوخ الأمريكي من أجل معرفة حقيقة ما يجري من السلطات المصرية وأحزاب المعارضة بما فيهم الإخوان المسلمون. وبأمر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ينتظر أن يصل نائبا مجلس الشيوخ جو ماك كين مرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة سنة 2008، ولاندسي غراهام بداية الاسبوع القادم إلى مصر لحث السلطات الانتقالية المصرية على الإسراع لنزع فتيل الحرب الأهلية، الذي يتهدد مصر من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية في أقرب وقت. وقال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري لاندسي غراهام، إن المهمة تندرج في إطار التحرك من أجل إنهاء حكم العسكر في مصر، والسماح بعودة الحياة المدنية إلى هذا البلد. وإذا كان تلميح النائب الأمريكي واضح إلى موقف واشنطن الرافض لبقاء صورة الجنرال عبد الفتاح السيسي هي الطاغية في المشهد المصري والتأكيد على عودة الحياة الديمقراطية، إلا أن واشنطن أبقت على موقفها غامضا مما يحدث في أكبر دولة عربية، بعد أن أمسكت العصا من وسطها لا هي مالت إلى جانب السلطات الانتقالية ولا هي أيدت حركة الإخوان، من منطلق أن الرئيس محمد مرسي انتخب بطرقة ديمقراطية. وقد تأكد بعد شهر من اندلاع الأزمة المصرية، أن الإدارة الأمريكية لم تشأ المغامرة بموقف يخلط عليها حساباتها، ورفضت إلى حد الآن القول إن ما حدث في مصر انقلاب عسكري على الشرعية، وفضلت التريث ومتابعة الوضع ثم اتخاذ القرارات المناسبة بناء على ما تفرزه الساحة من تطورات. ولكن إدارة الرئيس باراك أوباما أدركت خطأها جراء موقفها المتذبذب، وجعلت جون كيري وزير خارجيتها يعود ليؤكد أن بلاده جد قلقة من التطورات التي تعرفها مصر، مما استدعى هذا التحرك من أجل معرفة حقيقة ما يجري. وتبدو مهمة الجميع صعبة إن لم نقل مستحيلة إذا سلمنا بتصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، التي غيرت لهجتها من تفاؤل محدود إلى تشاؤم واضح، عندما أكدت في ختام زيارتها الثانية إلى القاهرة أنها تغادر دون بصيص أمل لانفراج في معادلة الأزمة السياسية المصرية. ويبدو أن المسؤولة الأوروبية لا تريد رمي المنشفة بالسهولة التي يمكن تصورها، بعد أن أكدت أنها لن تتردد في العودة للمرة الثالثة إلى مصر، في مسعى آخر لإيجاد نقطة التقاء يمكن اعتمادها لإنهاء وضع لم يعد يحتمل داخليا وخارجيا. وفي انتظار ذلك، فقد كلفت آشتون الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة جنوب المتوسط برناردينو ليون، بالتوجه إلى القاهرة لمواصلة الاتصالات وجهود الوساطة التي شرعت فيها.