المعارك الشعرية بين الحق والباطل، الهدى والضلال لم تتوقف حتى فتح الله على رسوله الفتح المبين مكةالمكرمة، ثم بدأت بعدها تتساقط المدن والقبائل تباعا، كالطائف وغيرها من المدن في الجزيرة العربية، وكان الشعراء يؤذون رسول الله بأشعارهم، فلما فتح عليه الله مكة، فر من فر هائما على وجهه، لأن الكثير منهم أهدر الرسول دمهم، ثم عفا على الكثير لما أقبلوا عليه نادمين تائبين. ومن الشعراء الذين نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعب بن زهير بن أبي سلمى ابن شاعر الحكمة في الجاهلية «زهير بن أبي سلمى»، هذا الشاعر ضاقت به الأرض بما رحبت عندما أبلغه أخوه جبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة، كانوا يهجونه ويؤذونه، وأن من بقي من شعراء قريش كابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب هربا.. فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض، فلما بلغ كتاب بجير كعبا، قال قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقصيدة طويلة مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول ويرى أنه جاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجده، وقد تقنع بعمامته حتى لا يعرفه أحد وأنشد قصيدته على الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ منها خلع عليه الرسول بردته الشريفة وكساه بها، فسميت القصيدة ب»البردة» نسبة لبردة الرسول صلى الله عليه وسلم. كما يروى أن معاوية بن أبي سفيان في زمانه طلبها من كعب، فقال كعب: «ما كنت لأثر بثوب رسول الله أحدا»، فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم. مدح كعب في قصيدته الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش، ولم يذكر الأنصار، إلا أنه خصهم بقصيدة بعد ذلك يقول فيها: من سرّه كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالح الأنصار ورثوا المكارم كابرا عن كابر إن الخيار هم بنو الأخيار والبائعين نفوسهم لنبيهم للموت يوم تعانق وكرار أما الأبيات التي يمدح فيها رسول الله في البردة فيقول فيها: يسعى الغواة جنابيها وقولهم. إنك يابن أبي سلمى لمقتول فقلت خلوا طريقي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن آدم وعن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول نبئت بأن رسول الله أوعدني والوعد عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال قرآن فيها مواعيظ وتفصيل إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قد قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا وقد نهج الشعراء نهج كعب بن زهير بن أبي سلمى في مدح الرسول بعده، وسموا قصائدهم بنهج البردة تيمنا ببردة النبي التي كساها لكعب، فقد مدح الإمام محمد البصيري الرسول وسميت قصيدته بنهج البردة، كما مدح أمير الشعراء أحمد شوقي الرسول وسمى قصيدته بنهج نهج البردة. ويقال أن البردة الموجودة في متحف اسطنبول هي نفسها التي كساها الرسول كعب بن زهير.