ما تزال قصيدة البردة تحدث إيقاعا يتميز عن كل الايقاعات المختلفة معها أو حتى التي انتهجت نهجها وإن كانت قصيدة البصيري الموسومة بنهج البردة تيمنا بقصيدة كعب بن زهير بن أبي سلمى التي مدح فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فخلع عليه بردته فسميت قصيدة »بانت سعاد« بقصيدة البردة، ويأتي الإمام البصيري لينهج نهج البردة، ومن بعده شوقي في قصيدته نهج البردة التي مطلعها »ريم على القاع بين البان والعلم« مازالت بردة البصيري تشكل مرصدا شعريا فريدا يرتاده الشراح والدارسون والمحققون ومايزال يضيف الجديد والجديد من الأفكار والإكتشافات وها هو المرحوم الدكتور محمد بن سمينة ممن حققوا هذه القصيدة النبوية وخصها بكتاب »قصيدة البردة للإمام البصيري« قام المجلس الإسلامي الأعلى بنشره. لا أحد ينكر أن قصيدة نهج البردة للبصيري قد ألفت لها مئات الشروح والتحقيقات وترجمت لأكثر من لغة، أما الشروح فهي كثيرة وتكاد تتجدد مع كل فترة زمنية، حيث يأتي من يعيد شرحها وتكييفها مع العصر الذي هو فيه، فنهج البردة تبقى دائما جديدة ومتجددة، وهذا ما دفع الدكتور محمد ابن سمينة -رحمة الله عليه- لإعادة تحقيقها ودراستها وتبنّى المجلس الإسلامي الأعلى نشرها. قسّم الدكتور بن سمينة موضوع دراسته الى ثمانية فصول حيث خصص الفصل الأول لمعالجة نشأة فن المديح النبوي في تاريخ الشعر العربي، أما الفصل الثاني فقد تناول فيه نص البردة كاملا، لينتقل من خلاله إلى الفصل الثالث والذي أدرج فيه حياة الإمام البصيري، ليذكر في الفصل الرابع أسباب ودوافع نظم قصيدة نهج البردة، كما تطرق في الفصل الخامس الى معاني النص تحليلا ودراسة، أما الفصل السادس فقد قيّم من خلاله البنية العامة لمعاني القصيدة ليخلص في الفصل السابع الى رصد القيم التعبيرية في القصيدة ويختتم البحث بالفصل الثامن الذي خصصه لتوضيح مكانة البردة في وجدان الأمة. الفصل الأول الذي لم يتجاوز ثلاث صفحات خصها الباحث في المديح النبوي في الشعر العربي نشأته وأعلامه، وكانت هذه الصفحات الثلاث عرضا سريعا لم يكن متعمقا بدأها بقصيدتي »أعشى قيس« ثم »بردة« كعب بن زهير ويبعدا شعرهما عن المديح النبوي على مذهب الدكتور زكي مبارك، ليذكر بعد ذلك شعراء الرسول (صلى الله عليه وسلم) ككعب بن مالك، عبد الله بن رواحة، حسان بن ثابت، ولم يدرج أشعار أبو طالب عمّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) المثبت في ا لسيرة النبوية المطهرة من قبل المؤرخين لسيرته (صلى الله عليه وسلم)، ولهذا جاء الفصل الأول مقتضبا سريعا، لينتقل الى الفصل الثاني والذي خصصه للنص الكامل لقصيدة »نهج البردة« كما هو معروف ومشهور وليس البردة حتى عندنا هنا في الجزائر تعرف بهذا الاسم »نهج البردة« وتردد عند نقل الميت الى مثواه الأخير تشفعا بالرسول (صلى الله عليه وسلم). الدكتور بن سمينة -رحمه الله- يستعرض في خاتمة البحث العصر الذي ازدهر فيه شعر المديح النبوي في ومضات منذ شأته الى عصر البصيري. الكتاب هو عبارة عن مجلد من القطع المتوسط يتوزع على 186 صفحة وهو من منشورات المجلس الاسلامي الأعلى، وللتذكير فقد سبق الدكتور أبو عبد الله غلام الله ان وضع هو الآخر قبل الدكتور بن سمينة ن شرحا لقصيدة »نهج البردة« للإمام البصري في السنوات الماضية.