لا تزال ليالي وهران منذ بداية شهر رمضان الكريم تعيش الزخم الفني والثقافي المسطر من قبل العديد من الهيئات الثقافية، حيث منحت مختلف الاختيارات للعائلات لقضاء سهراتها بعد صيام يوم حار، بينما تفضل البعض منها الاستمتاع بالجو العليل بالمساحات الخضراء، أو اختيار الشواطئ إما للسباحة أو التمتع بالجو الهادئ والرومانسي الذي يصنعه منظر البحر تحت الأضواء الكاشفة. قصدت “المساء” عددا من شوارع مدينة وهران لمقاسمة بعض العائلات الوهرانية سهراتها الرمضانية، والبداية كانت من وسط المدينة. كانت الساعة حينها تقارب العاشرة ليلا، وكانت الطرق والشوارع مليئة بالحركة والنشاط، وكأن المواطنين أفطروا في الشوارع وليس في البيوت. لما سألنا بعض المارة عن سبب توجههم المبكر إلى شوارع وسط المدينة، قالوا إنهم يفضلون الوصول إلى المحلات والمقاهي في الوقت المناسب قبل أن تزحف حشود المواطنين بعد صلاة التراويح، والاكتظاظ يحرمهم متعة التجوال براحة، كما يقولون. أما عن سبب اختيارهم وسط المدينة بالذات، فأكدوا أنها قلب الولاية التي تتوفر على أحسن المحلات وأفضل المقاهي وقاعات الشاي، وحتى أغلب المرافق العمومية الترفيهية، على غرار المسرح الجهوي “عبد القادر علولة”، قاعات سينما ومسرح الهواء الطلق “حسني شقرون” الذي يحتضن يوميا سهرات فنية لمختلف الطبوع، هذا إلى جانب حديقة مديرية الثقافة، لاسيما بعد دخول وسيلة النقل الجديدة الترامواي حيز الخدمة، حيث ساهم حسب العديد من العائلات التي التقينا بها في إنعاش شوارع وسط المدينة، إذ سهل على سكان الجهة الشرقية للولاية كالصباح والياسمين وما جاورها، السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، عكس السنوات السابقة حين كان مشكل النقل يشكل لهم عائقا أمام قضاء سهراتهم بوسط المدينة.
حركة ونشاط إلى حد الفوضى تركنا زوار شوارع وسط المدينة وتحولنا إلى ثاني وجهة مفضلة، تتعلق بنهج “شوبو” الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى مدينة ثانية بالنظر إلى الحركية والنشاط الذي يميزه ليلا نهارا، بسبب المحلات التجارية المتواجدة به ومواكبتها للموضة فيما يتعلق ببيع الملابس والأحذية للكبار والصغار، ولم يقتصر الأمر على ألبسة الأطفال، بل حتى الكبار صاروا يتنافسون من أجل الظفر بطقم جميل وملائم لاستقبال العيد في أبهى حلة... حركة ونشاط إلى حد الفوضى هي سمة نهج “شوبو” الذي هو في الأصل عبارة عن نهج طويل تتواجد على جانبيه محلات ومراكز تجارية عرضت خدماتها للزوار بأسعار ملتهبة، لكن النقطة السوداء في هذا المكان هو الازدحام الكبير بالنظر إلى ضيق الطريق بسبب “الفرّاشة” أو باعة الأرصفة الذين تحولوا من سوق المدينة الجديدة إلى “شوبو”، ودخلوا في لعبة الكرّ والفر مع أعوان الشرطة الذين يداهمون المكان بغتة لطردهم، غير أنهم سرعان ما يعودون لنفس المكان لمواصلة نشاطهم، مغتنمين فرصة التوافد الكبير للمواطنين، ليس سكان وهران فحسب، بل حتى من قاطني الولايات المجاورة كسيدي بلعباس، تلمسان، مستغانم وغيرها، وحتى العائلات المغتربة التي سجلت وجودها خلال شهر رمضان بقوة مقارنة بالسنوات السابقة. ونحن نسير نحو نهج “شوبو”، لفت انتباهنا مشهد العائلات التي لم تجد من وسيلة للترويح عن النفس أفضل من الجلوس بالمساحات الخضراء المنتشرة هنا وهناك بساحة عيسي مسعودي، بمحاذاة فندق الشيراطون وحي العقيد لطفي الذي أصبح عبر مرور الوقت القبلة المفضلة للعائلات، فيما لفت انتباهنا تهور بعض الشباب من هواة ركوب الدراجات النارية للتفاخر أمام الفتيات، للفت الانتباه وكسب الشهرة، غير مبالين بما ينجر عنه من مخاطر ومجازفة، لاسيما أنهم يعتمدون على السرعة الجنونية والحركات البهلوانية، وكأن الأمر يتعلق بسيرك عمار، في حين لم يرد السواد الأعظم الخروج عن القاعدة التقليدية بالتوجه مباشرة إلى جنة الأحلام لإسعاد الأطفال وقضاء سهرة رمضانية في حضور المهرجين وحتى الرسامين على الوجوه الذين زينوا وجوه البراعم بأشكال مزركشة بهية الألوان، مقابل 100 دج عن كل رسم، وهو ما زاد من سعادة الأطفال. نشير إلى أن أرباب الأسر أعابوا في كل تلك الأماكن التي زرناها نقطة سوداء واحدة، هي غياب النقل، مما عكر سهراتهم وأجبرهم على قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام في غياب الحافلات وحتى سيارات الأجرة التي ترفض نقل أكثر من شخصين، فما بالك بعائلات كثيرة العدد، مما يجعلهم عرضة لعصابات الليل التي تنتشر بالأماكن العمومية وتتحين الفرص للإيقاع بضحاياها في الأماكن المعزولة والمظلمة التي تفتقد للتغطية الأمنية.