كان من الصعب على الدكتور يوسف بالمهدي، مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن يتذكر أول يوم صام فيه، غير أن ما بقي عالقا بذاكرته أنه بولاية بوسعادة مسقط رأسه، كان يتم تصويم الأطفال في سن مبكرة، ليتسنى لهم إدراك المعنى الحقيقي للصيام، وبالتالي الالتزام به ومعرفة مقاصده، وحول يومياته خلال الشهر الفضيل، كان ل “المساء” هذه القعدة. لا فرق عند محدثنا بين شهر رمضان وباقي أيام السنة من حيث العمل، إذ يعتبره عبادة، وبالتالي يبدأ يومه مبكرا، فيلتحق بمقر عمله بالوزارة لأداء مهامه، أما في غير أيام العمل، فيختار يوسف التوجه إلى منزله بولاية بوسعادة، حيث يخرج من المنزل مبكرا متجها نحو المسجد لقراءة ما تيسر من القرآن الكريم حتى صلاة الظهر ليصليها جماعة، بعدها يعود أدراجه إلى البيت لأخذ قسط من الراحة ليتجه مجددا إلى المسجد وأداء صلاة العصر، حيث قال: “أنشغل كثيرا بالتعبد خلال أيام الشهر الفضيل”. وفي رده عن سؤالنا حول ما إذا كان من الأزواج المتطفلين على المطبخ، ابتسم وقال: “بدون أدنى شك” وأردف: “ككل الجزائريين أتطفل كثيرا على المطبخ لترقب المؤونة ومعرفة الأطباق التي تم تجهيزها، أي ببساطة أباشر عملية المراقبة الدورية للمطبخ”. لم يخف الدكتور بالمهدي ميله إلى اشتراط بعض الأكلات، حيث قال: “أحب كثيرا أن تحضر على مائدة الإفطار كسرة “المطلوع”، مرفقة بسلطة الفلفل المشهورة بولاية بوسعادة، والحساء المتمثل في “جاري فريك” أو “الحريرة”، إلى جانب “البوراك”، هذان الأخيران أعتبرهما زينة المائدة ولا أستغني عنهما طيلة الشهر الفضيل”. لا يميل محدثنا إلى إطالة السهر في رمضان، إذ يكتفي بأداء صلاة التراويح والتعبد بالمسجد، بعدها يتسحر بالكسكسي والحليب، ليبدأ بعد ذلك يوما جديدا، حيث قال: “حقيقة أتجنب إطالة السهر، لكن في المقابل أحرص على اللمة العائلية، حيث أحرص على أن يجتمع في بيتي كل من والدتي وإخوتي كل يوم جمعة بعد التراويح، وفي كثير من الأحيان أتجنب العزومات لأتمكن من البقاء رفقة عائلتي”. يصف الدكتور القلق خلال الشهر الفضيل بالحالة العادية التي تصاحب الفرد بحكم ما يعانيه من ضغط العمل، أو نتيجة ازدحام حركة السير وغيرها من المتاعب اليومية، غير أنه يرى أن ما ينبغي للفرد الصائم أن يتحلى به هو الصبر وتجنب الوقوع ضحية قلقه، حيث قال: “تنتابني في بعض الأحيان حالات قلق سرعان ما أتفطن إليها بقراءة القرآن، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم”، وفي المقابل يقول: ”لابد على كل صائم أن يسارع إلى إبداء النصح اتجاه بعض السلوكات التي تسيء لشهر الرحمة، لتحقيق المقصد من الصيام”. وحول بعض الصفات التي تزعجه خلال رمضان، أفاد بأن إطالة السهر في غير الطاعة، والنوم لساعات متأخرة من النهار أكثر ما يثير اشمئزازه، لأنهما يجعلان الصائم يفقد الكثير من مفاتيح الخير في هذا الشهر، ولا يكادون يستفيدون إلا ببعض الأمور الشكلية منه”، إلى جانب بعض الممارسات التي تجعل الصائم يعامل غيره بأنانية، حيث قال: “وقفت في المسجد في الكثير من الحالات التي يأبى فيها بعض الصائمين تأمين الراحة لأنفسهم على حساب غيرهم من المصلين، كأن يحتكر المكان، إذ من المفترض أن الصائم الذي يقرأ القرآن ويؤدي الصلوات، يجب أن يستفيد منها في تعاملاته اليومية، لكن ما يحدث هو العكس، إذ نجدها غائبة في سلوكاته، وعلى العموم، فالأنانية نجدها بكل الأماكن، على غرار الأسواق التي يظهر فيها جشع الباعة ورغبتهم في تحقيق الربح السريع”.