يصوم رشيد شابخ، ابن حي الأبيار بأعالي العاصمة، رمضان للسنة ال11 على التوالي بفرجينيا الأمريكية، بعيدا عن عائلته بآلاف الكيلومترات. وإن كانت مرارة الغربة تزيد وطأتها في الشهر الكريم، فالأمر ليس كذلك بالنسبة لرشيد المحظوظ بجيرته للمسجد. يعترف رشيد بأن فرحة رمضان لا تكتمل دون العائلة، غير أنه يعوّض غيابه عن الأهل بمشاركة الجالية المسلمة في إفطار الصائمين بالمسجد المجاور لبيته بشمال فرجينيا قرب العاصمة واشنطن، حيث يفطر يوميا ما بين 600 و1000 صائم، ''أنا محظوظ بمجاورتي لبيت الله، المسجد لا يبعد عن بيتي إلا بخمس دقائق'' يقول رشيد. ويبدأ رشيد يومه مبكرا، فبعد السحور الذي يكتفي فيه بقهوة وحليب أو ''مسفوف'' يحضره بامتياز رفيقه في المسكن، يتجه إلى المسجد ليصلي الصبح، ومنه ينطلق إلى عمله في شركة لتوزيع قطع الغيار، حيث يمضي يومه بنشاط عادي غير متأثر بتعب الصيام، ''فالعمل عبادة''. وبعد يوم عمل طويل، لا يتذمر رشيد من ولوج المطبخ لتحضير ديكور المائدة الرمضانية بإبداع ينافس حواء الجزائرية، فشوربة الفريك التي يحضرها لا يعلى عليها يقول رشيد، معترفا بأن سر ذوقها المميز الفريك والتوابل التي يقتنيها خصيصا من الجزائر، ''لكنها تبقى ناقصة دون مطلوع الوالدة'' يضيف المتحدث. وإن كان رشيد يجد الوقت الكافي لتحضير مائدة الفطور الرمضانية بما لذّ وطاب، إلا أنه يجد بين الحين والآخر فرصة للراحة وأخذ وقت مستقطع لاستحضار ''ريحة لبلاد'' بين أصدقائه وأبناء العائلات الجزائرية، حيث تتهاطل عليه الدعوات للإفطار طيلة الشهر الفضيل. ويضيف محدثنا: ''كثيرا ما أنزل ضيفا على أصدقاء جزائريين في الشهر الفضيل، حيث نستحضر في قعدة جزائرية ريحة لبلاد، فبالأمس فقط كنت ورفيقي في المسكن ضيفين على عائلة جزائرية، تلذذنا بتذوق الأطباق التي زينت مائدة الإفطار الجزائرية مائة بالمائة، الشوربة، البوراك، الدولمة، أرز بالجمبري، وختمناها بقلب اللوز والشاي''. ولأن شهر الصيام هو شهر العبادة بالدرجة الأولى، يختصر رشيد سهرته و''قعدته الجزائرية'' ما بين صلاتي المغرب والعشاء فقط، فلا يُفوت تحت أي ظرف صلاة التراويح، ليعود لبيته ويتلو ما تيسر من الذكر الحكيم، مردفا: ''شهر رمضان فرصة سنوية ليتقرب المسلم من ربه، لهذا أحرص في كل سهرة على تلاوة حزبين أو حزب ونصف من القرآن الكريم لأختمه في نهاية الشهر بإذن الله''. ويأوي رشيد مبكرا إلى فراشه ليصحو في وقت السحور، السنة النبوية التي يحرص على اتباعها، ويكتفي في أغلب الأحيان بقهوة أو مسفوف على الطريقة الجزائرية، ليبدأ بعد صلاة الصبح يوم عمل وصيام جديد في فرجينيا الأمريكية.