وجدت حركة النهضة الحاكمة في تونس نفسها مضطرة لتقديم تنازلات للتخفيف من حدة التوتر الذي تشهده الساحة التونسية وتنذر بما هو أسوأ في حالة استمرار الوضع بنفس درجة الاحتقان. وقبلت النهضة أمس بتعليق العمل بالمجلس الوطني التأسيسي في موقف قد لا يرقى لإسكات الأصوات التي تطالب برحيلها عن الحكم وحل هذا المجلس نهائيا، وهو ما جعلها تدعو في نفس الوقت إلى الحوار من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يطالب بها معارضوها. وجاء موقف النهضة بعد أن فاجأها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الذي أعلن ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، بإصداره لقرار تعليق عمل هذه الهيئة المنتخبة. وقال بن جعفر الذي سبق وساند فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، إن “المجلس يراهن في جلسته العامة التي عقدها الثلاثاء، على أنه قادر على مواصلة أعماله بأغلبية مريحة، لكنه لن يفعل قبل عودة جميع الأطراف وجلوسهم إلى طاولة الحوار”. ولكن بن جعفر طالب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الحاكمة وغريمه الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس وكافة الطبقة السياسية في تونس، دعوا إلى التوافق فيما بينهم وتغليب المصلحة الوطنية، معتبرا أن الحزب الوحيد الذي سيمثل الجميع اليوم هو تونس، كما طالب كافةَ الأحزاب السياسية والمنظمات الراعية للحوار وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، بالحوار، مؤكدا أن الوضع “لم يعد يحتمل في تونس أمام ما تم تسجيله من عمليات اغتيال للسياسيين والأعمال الإرهابية التي تستهدف الشعب التونسي”. وجاءت دعوة بن جعفر بالتزامن مع تنظيم الاتحاد العام للشغل ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، مظاهرة احتجاجية ضخمة بساحة باردو بقلب العاصمة تونس بمناسبة مرور ستة أشهر على اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد. وجدّدت قيادات حزبية ونقابية شاركت في هذه المظاهرة موقفها المصرّ على حل حكومة النهضة وتعويضها بحكومة كفاءات تترأسها شخصية مستقلة وحل المجلس الوطني التأسيسي. واعتبر زياد الأخضر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، أن شرعية الحكومة الحالية والمجلس التأسيسي “سقطت منذ لحظة اغتيال محمد البراهمي” عضو المجلس التأسيسي نهاية جويلية الماضي. وأكد العزم على “مواصلة اعتصام الرحيل إلى حين حل الحكومة والمجلس التأسيسي وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة”. ويرى العديد من المحللين أن ساعة الحقيقة قد حانت في تونس؛ باعتبار أن لا حركة النهضة ولا معارضيها بإمكانها المضيّ في نفس مواقف التعنت، وهما الآن مطالَبان بتقريب وجهات النظر وتقديم تنازلات من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بها وتنذر بما هو أسوأ في حال طال أمدها، وهو ما ذهبت إليه الصحف التونسية الصادرة أمس، والتي عبّرت عن أملها في أن يقبل الإسلاميون الحاكمون ومعارضوهم في الجلوس على طاولة الحوار من أجل مناقشة سبل الخروج من الأزمة المستعصية التي تتخبط فيها تونس.