عمرو دوارة هو مدير مهرجان المسرح العربي بالقاهرة، متخصّص في الفن الرابع وله العديد من الدراسات وأكثر من 54 عملا مسرحيا، من بينها "المحروسة 2015 "، "أجنحة الأقوال"، "العصا السوداء" و"الليلة الكبيرة"، تحصّل على الكثير من الجوائز في مهرجانات مختلفة على غرار مهرجان "نوياما" باليابان، يحضر إلى الجزائر للمرة الثانية على التوالي للمشاركة في فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف، وهو هذه السنة عضو لجنة تحكيم المهرجان، "المساء" التقته وأجرت معه هذا الحوار... - في البداية، هل يمكننا أن نعرف سبب غياب الفرقة المسرحية المصرية "فرسان المسرح"، التي كان من المنتظر أن تشارك في مهرجان الجزائر للمسرح المحترف؟ * الحقيقة أنّ فرقة "فرسان المسرح" كانت مشاركة في مهرجان المسرح الأمازيغي بالمغرب منذ عشرة أيام وحقّقت نجاحا كبيرا، لكن للأسف هذه الرحلة إلى المغرب عطّلت حضورها إلى الجزائر بسبب تأخّر بعض الإجراءات الإدارية الروتينية بالنسبة لحجز التذاكر والميزانيات ونحن في نهاية السنة المالية، فتعثّر الحصول على تذاكر طيران. - هذا يعني أنّ سبب الغياب مالي بالدرجة الأولى؟ * للأسف نعم، لكن أعتقد أنّ هناك محاولة لإنهاء هذه المشكلة، ومن المنتظر أن يحضر الفريق خلال الأيام المقبلة للمشاركة في الأسبوع الأخير للمهرجان. - بحكم أنّكم مدير مهرجان المسرح العربي بالقاهرة، في اعتقادكم كيف يمكن تحقيق التواصل بين مختلف المهرجانات المسرحية العربية المتناثرة هنا وهناك؟ * اسمحي لي أن أخالفك الرأي، فالمهرجانات العربية تحاول فعلا تحقيق التواصل والتنسيق فيما بينها، كانت هناك محاولة جادة أخيرا تمثّلت في تأسيس الهيئة العربية للمسرح بمبادرة من الشيخ سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، وذلك للتنسيق بين المهرجانات ودعمها، كذلك نحن في مهرجان المسرح العربي بالقاهرة، نحرص تماما على أن لا يتداخل مع مهرجانات عربية أخرى، وبالتالي نقدّمه في النصف الأول من مارس.. نحرص دائما كذلك على مشاركة الجزائر، وتمّ تكريم رموز من المسرح الجزائري في كلّ دورة، منهم طبعا امحمد بن قطاف، فوزية أيت الحاج، صونيا وولد عبد الرحمان كاكي، واستطعنا أيضا استضافة فرق جزائرية على غرار جمعية "البليري" وفرقة "مسرح سطيف" والمسرح الوطني، كنا سعداء جدا هذه السنة باستضافة الأستاذ إبراهيم نوّال كعضو لجنة تحكيم الأعمال العربية، كما أنّ فكرة تكوين لجنة تحكيم عربية بفنان من كل دولة فيه أيضا نوع من التنسيق والترابط وتبادل الأفكار.. لكن ما نفتقر إليه فعلا، هو التآخي بين المهرجانات، حاليا نؤسّس لرابطة "مسرح البحر الأبيض المتوسط" ومقرّها المؤقّت في مصر والجزائر عضو مؤسّس لها، وتم اختياري كمقرّر لهذه الرابطة بالقاهرة، وهي تضمّ ثماني دول عربية في الجنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط وثماني دول أوربية في شمال وغرب البحر المتوسط، وأعتقد أنّ هذه الرابطة سوف تحقّق ليس فقط التنسيق بين المهرجانات المسرحية العربية، لكن أيضا، تحقّق شيئا هاما جدا وهو تنسيق العلاقة مع الآخر ومدّ جسور الحوار مع الدول الأوربية. - في هذا السياق، أستاذ عمرو، رغم ما تتحدّثون عنه من مهرجانات وأعمال، فإنّنا لا نجد للمسارح العربية وجود في مهرجانات أوربية أو أجنبية بشكل عام، لماذا؟ * هذا صحيح، لكن في السنوات الأخيرة كانت هناك بعض المشاركات العربية التي استطاعت الحصول على جوائز في مهرجانات معروفة كمهرجان "ادمبراون"، وهذا مهرجان مهم، وكذا مهرجان "أفنيون"، أنا بشكل شخصي حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان "نوياما" للمسرح العالمي باليابان عام 1996، وعام 2000 حصلنا باسم مصر على جائزة رفقة فرقة "فرسان المسرح".. وومن ثمّ أعتقد أنّ المسرح العربي إذا استطاع أن يخرج من المحلية ويقدّم أفكارا وخطابا دراميا جيّدا يرتبط بالواقع العربي المعاصر، مستخدما "التكنيك" الأوربي وبعض الوسائل الحديثة في توصيل الأفكار وتحقيق المتعة السمعية والبصرية، أعتقد أنّنا سننجح دائما في التواصل مع الآخر وإثبات وجودنا مسرحيا على خشبات عالمية كفنانين ومبدعين عرب. - هناك خطاب سائد اليوم بين بعض النقاد والمختصين في الفن الرابع يؤكّد زوال المسرح العربي، فما يقدّم اليوم في مجمله عبارة عن اقتباس لنصوص أوربية أو بعض النصوص العربية المستهلكة، ما رأيكم؟ * هناك كتاب وممثلون ومخرجون على أعلى مستوى، ولكن تبقى دائما مشكلة الإنتاج والإدارة، دعيني أكون صريحا، التنسيق والتحضير للمهرجانات، لابدّ أن يكون قبل موعد التظاهرة بعام أو عامين على الأقل، نحن في الدول العربية دائما ننتظر الشهور والأسابيع الأخيرة، ليست لدينا خطة مستقبلية كالفرق الأجنبية التي تضع خطة سنوية أو كلّ ثلاثة سنوات للمسرح، نحن لدينا أزمة إدارة فقط، وأعتقد أنّ بإمكاننا خلال الأيام المقبلة إصلاح هذا الوضع لنصل إلى مستوى أعلى بإذن الله . - شهد المسرح العربي مؤخرا فتورا فيما يتعلّق بالقضايا العربية الكبرى والاتجاه نحو الأعمال المقتبسة عن النصوص العالمية التي تتميّز ببعدها الإنساني الشمولي؟ * أعتقد أنّ أشكال المسرح كلّها موجودة، فمثلا في مصر المسرح ينتج ما لا يقل عن 356 مسرحية في العام، نحن في مصر لدينا مسرح جامعي وهو مسرح مهموم بالقضايا المعاصرة، المسرح العمالي، المسرح المدرسي، مسرح الثقافة الجماهيرية في الأقاليم الجهوية، مسرح نوادي الشباب، إلى جانب فرق مسرح الدولة وهي ثمان، إلى جانب قطاع الفنون الشعبية الاستعراضية وهي أربع فرق، قطاع "مسرح الهناجر"، إذن من الصعب الحكم على المسرح من خلال قطاع الدولة أو القطاع الخاص فقط، فخريطة المسرح أكبر. في الجزائر أيضا لا يمكن الحكم على ما يقدّم في المسرح الوطني فقط، هناك عروض مهمة جدّا تقدّمها التعاونيات والمسارح الجهوي، رأينا عرضا متميزا قدّمه المسرح الجهوي لقسنطينة بعنوان "الحوات والقصر"، كذلك كنت عضو لجنة تحكيم في مهرجان المسرح الأمازيغي بالمغرب وشاهدت عروضا ذات مستوى متميّز، وقبلها في مهرجان المسرح الكويتي أيضا كانت هناك بعض الأعمال الجيدة، أنا أرى أنّ هناك لحظة أمل وتفاؤل ونتمنى الأفضل دائما. - عانت مصر طغيان المسرح التجاري على غرار السينما التجارية، لماذا في رأيكم؟ * أبشرك خيرا، خلال الثلاث السنوات الأخيرة أغلقت معظم فرق القطاع الخاص أبوابها، ولم يصبح في القاهرة حاليا سوى ثلاث فرق تتعثّر، لأنّ مسرح الدولة قدّم أعمالا ناجحة جماهيريا واستطاع بميزانيات الدولة الكبيرة أن يستقطب النجوم، وبالتالي لم يستطع القطاع الخاص أن يستمر في تقديم عروضه التي كانت تعتمد على طبقتين، طبقة الحرفيين غير المثقفين ومجموعة السائحين العرب، وبالتالي، فإنّ المسرح التجاري في مصر بدأ في التعصر والانهيار. - مؤخرا نشب صراع بين نقابة الفنانين المصريين والسوريين، نتج عنها العديد من القرارات صدرت عن النقابة، التي طالبت بتحديد عدد الفنانين العرب المشاركين في الأعمال الدرامية المصرية، ما رأيكم؟ * أقول أنّ ما حدث كان عبارة عن مواقف شخصية وليست عامة، والدليل أنّ وزير الثقافة المصرية تدخّل لصالح الفنانين العرب، والدليل أيضا أنّ الدكتور أشرف زكي رئيس النقابة وافق على منح العضوية المنتسبة لكلّ الفنانين العرب، فقط تمّ تنظيم المسألة وقيل أنّ كلّ من هو عضو نقابة في بلده وفنان مشهور، يمنح فورا التصريح والعضوية المنتسبة، ولكن يمنع من يبدأ في القاهرة، يعني إذا كان فنانا مغمورا في بلاده وغير عضو نقابي ويريد أن يبدأ في القاهرة، فليبدأ أولا في بلاده ثم يأتي إلينا... لكن لا أعتقد أنّ هناك صراع فكلّها دراما عربية، بالعكس أنا أرى أنّ هذا التنافس العربي هو لصالح المشاهد ولصالح التطوّر وتقديم الأفضل. - لكن ألا تعتقدون أنّ في هذا القرار أيضا فيه نوع من الإجحاف، لماذا لا تتاح الفرص للجميع وكل حسب إمكانياته وقدراته؟ * الحقيقة أنا متفق مع هذا القرار، وذلك حتى لا يكون بابا خلفيا لبعض الفتيات الجميلات التي ليس لديهن خبرة ولم يدخلن مدارس التكوين، ويسعين إلى الحصول على أدوار في أعمال مصرية عن طريق العلاقات الشخصية، من كانت فنانة حقيقية فلتثبت ذلك في بلادها، أمّا إذا كانت تجيد فقط السهرات وربط علاقات خاصة مع بعض المنتجين، فيجب أن نطهّر الساحة الفنية من أمثالهن، ومن ثمّة أحبّذ أن تكون هناك قيود وقواعد، لأنّ الفن يرتقي بالإحساس ولابدّ على ممارسه أن يكون في مستوى المسؤولية. - تبقى الرقابة من أهمّ المشاكل التي يعانيها الإبداع في مصر على كل مستوياته، كيف هي علاقة المسرح بالرقابة اليوم بمصر؟ * بالنسبة للرقابة، هناك دائما المحاذير الثلاثة الموجودة في كلّ الدول "الجنس، الدين والسياسة"، لكن اعتقد أنّ مساحة الحرية حاليا في مختلف الدول العربية تتيح للفنان هامشا أوسع للتعبير، وذلك نتيجة للعولمة والقنوات الفضائية والحريات المباحة، فطالما لم يقترب كثيرا من الخطوط الحمراء جدّا فيترك ليقول ما يشاء، وكما يقال "إنهم يجعلوننا نقول ما نشاء ويفعلون هم ما يشاؤون". - تشاركون للمرة الثانية على التوالي في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، كيف تقيّمون المسرح في الجزائر؟ * حينما تملك الجزائر هذا الجمهور الواعي العاشق للفن الرابع، والذي أشاهده حريصا على حضور جميع عروض المسرح الوطني، وعندما أشاهد أنّ العروض المسرحية تقدّم عبر كلّ ولايات الجمهورية حتى على الحدود، فهذه بشارة خير كبير.