"فالصو"، هو عنوان العمل المسرحي الذي خاض به مسرح سيدي بلعباس أوّل أمس، غمار المنافسة بالمسرح الوطني الجزائري، في إطار فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف التي اختتمت فعالياتها مساء أمس. فالصو" التي كتب نصها محمد حمداوي عن نص "المنتحر" لنيكولاي أرومان، وخاط ثوبها الإخراجي عز الدين عبّار، كانت بمثابة تحريك لجرح نازف، غوص في واقع معيش وطرح لقضايا راهنة.. "فالصو" لم تبعث بعيدا ولم تحاول الطيران إلى أفق ليست لها ولا أن تفتعل حالة ولا أن تخلق وضعا، فقط نظرت حولها إلى مجتمعها إلى شبابها وتحدّثت بلسانهم. "فالصو" اختارت الخوض في إشكالية العصر، "البطالة"، المنفذ الذي تتسلّل منه كلّ المفاسد والآثام والباب المفتوح على مصرعيه لاستقطاب كلّ المشاكل والأزمات.. ليتناول قضايا أكبر كالتنصير والإسلاميين ... "فالصو" كشفت في سياق واضح وجرئ كيف يمكن لإشكالية تبدو بسيطة هي "البطالة" أن تكون فوهة بركان قد يدمرّ كلّ شيء، كلّ ذلك من خلال قصة "ناصر" شاب تخرّج من الجامعة بعد سنوات طويلة من الدراسة بشهادة، لم تمكّنه حتى من التخلّص من إعالة والدته التي تكفّلت وحدها به بعد وفاة والده. الفراغ والملل هو ما يميّز يوميات هذا الشاب، الذي أدّى به يأسه إلى حالة من الضياع والشتات والصراع النفسي، أجاد المخرج تمثيله على الركح بامتياز، ليتحوّل إلى لقمة سائغة للطامعين بداية بالإرهابيين الذين يستغلون الدين الإسلامي، لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الضيّقة، فيصطادون في المياه العكرة وينقضون على شباب ضيّع طريقه وفقد معالمه ولم يعد يعرف لنفسه ماضيا ولا حاضرا ولا مستقبلا، فيسير ناصر في دربهم ويتحدّث لغتهم فيحرّم ما يحرّمون ويحلّل ما يحلّلون.. ليس هذا فقط، "ناصر" يشكّل أيضا لقمة سائغة لطرف ثان يسعى إلى كسب مساحة على حساب شباب هم دعاة التنصير والمبشرون الذين يقنعون "ناصر" بالانضمام إليهم والدخول تحت راية الكنيسة وسلاحهم في ذلك الكثير والكثير من المال والمغريات... ومقابل هذا وذاك، هناك أيضا دعاة الوطنية والمتاجرون بحقوق الشعب وأحلام الشباب، أصحاب الشعارات الرنانة التي تتغنى بالحرية والوطنية، المستولون على أموال الشعب بالباطل لإنفاقها على الراقصات في سهرات الملاهي، هؤلاء أيضا يسعون إلى ضمّ "ناصر". قوة "فالصو" التي تعني الزيف، تكمن أوّلا في قوّة نصّها الذي ابتعد عن الخطابية المباشرة والنصائح التربوية وعن إصدار الأحكام على هذا وذاك، حيث اكتفى بعرض الحالة كما هي موجودة والإشارة إلى الأسباب والمسبّبات، قوّة العمل كمنت أيضا في السينوغرافية التي أشرف عليها صاحب الأنامل المبدعة عبد الرحمان زعبوبي وحمزة جاب الله، واشتغل عليها بإبداع كبير جعل الجمهور يعيش العرض ويفهم ما قيل وما لم يقل، كذلك أداء الممثلين (عبد القادر جريو، عبد الله جلاب، دليلة نوار، أحمد بن خال، عبد السلام مربوح، خديجة عبد الموالى، بن عيسى نوال، نصيرة صحبي، بن بكريتي محمد)، الذين جعلوا من المسرحية عملا متكاملا.