ما أحوجنا إلى نصوص ذات بعد إنساني تستجيب لترجمة الصراع الداخلي الذي يفرزه التمزق والتشظي في وطن محمول وسط ذاكرة تنزف بالحزن والحنين، في ذات البرزخ بين الوطن واللاوطن، بين هجمات الموت والأمل الضئيل بالحياة يندلع النص المسرحي في حريق نفسي مهول ليروي الفصل الأخير من حياة المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد. ككل البدايات المنتهية تبرز الفاجعة المفاجئة ويقتحم بها الشك بعنوة نفس سعيد من خلال مكالمة تلفونية، حيث تتراجع من خلالها الحياة إلى الوراء وتستعرض في حزن وأمل حياة العائلة، كيف بدأت تصارع السرطان؛ سرطان الوطن وسرطان الدم. النص المسرحي الذي قرأه الدكتور أحمد منور قراءة تحليلية ونقدية متأنية في تقديمه له، لا نجد قراءة مفصلية أحسن منه، سواء تم تجسيد النص على خشبة المسرح أو ترك ليقرأ في كتاب، ونظرا لأهمية القراءة التي أجراها الدكتور أحمد منور على هذا النص المسرحي، ارتأينا أن نقتبس منها بعض القبسات حتى تتبين فيها للقارئ كل الخيوط التي تشكل منها نسيج المسرحية، يقول أحمد منور في تقديمه: “تصور مسرحية الشريف الأدرع الجديدة التي أعطاها عنوان “إدوارد سعيد” جملة من المشاهد تتعلق كما يدل العنوان بحياة ومواقف الأستاذ الجامعي والمفكر الفلسطيني الشهير إدوارد سعيد..... وتستمد المسرحية دراميتها بالأساس من الواقع الذي أفرزته تلك الاتفاقيات، ومن انعكاسها المباشر على الفلسطينيين في الضفة والقطاع..... وتبدو المفارقة كما تعكسها المسرحية بأمانة في حياة الفلسطينيين، من كونهم يملكون سلطة في الظاهر ولكنهم لا يمارسون صلاحية السلطة الفعلية، ولهم دولة ولكنها لا تتمتع بمقومات الدولة الحقيقية، ومن كونهم يعيشون مستقلين في الظاهر دائما ولكنهم في الواقع يعيشون تحت تهديد الاحتلال الإسرائيلي المباشر الذي يستبيح يوميا أرضهم، ويصادرها، ويغتال أبناءهم، ويعتقل مناضليهم، ويهدم بيوتهم، ويحول حياتهم اليومية إلى جحيم، في حواجز التفتيش المنتشرة في كل مكان”. ويضيف الدكتور منور في استعراضه للمسرحية قائلا: “نحن أمام مسرحية سياسية بامتياز، لأنها تعالج قضية الشعب الفلسطيني على مدى ستين سنة، من خلال شخصية الأستاذ والمفكر إدوارد سعيد الذي هاجر من مدينة القدس، مسقط رأسه، قبل النكبة، ولم يعد إليها إلا بعد مؤتمر مدريد بجواز سفر أمريكي . وتحاول المسرحية أن تجمع أطراف المشكلة من جميع النواحي، حيث يلتقي فيها الماضي بالحاضر، والثقافي بالسياسي، والتاريخي بالراهن المعاصر، والشخصي الخاص بالجمعي العام ..”. يبدأ النص المسرحي “إدوارد سعيد” في المشهد الثاني بعد أن اكتشف خلال مكالمته التليفونية في المشهد الأول مع طبيبه بأنه مصاب بالسرطان برسالة إلى أمه المتوفية، والأم تحمل أكثر من دلالة رمزية، حيث جاء في مضمون الرسالة قوله: “تعلمين يا أمي أنني أشعر بالحاجة إلى التواصل معك كلما صار رحيلي عن هذا العالم في حكم المؤكد، فأنت يا أم تمثلين مرجعي في هذه الحياة الدنيا ..”، ومن خلال هذه السطور نلاحظ ازدواجية الخطاب، ففي الوقت الذي يخاطب فيه إدوارد سعيد في رسالته أمه، يخاطب في ذات الرسالة أرضه فلسطين، ويستعرض مأساته ومأساتها، تاريخه وتاريخها عندما يقول في نص الرسالة: “عندما أتأمل يا أمي عمارة حياتي، وحياة عائلتي الصغيرة، وحياة عائلة آل سعيد، وحياة الشعب الفلسطيني، أجدها عبارة عن حياة يوقعها السرطان ..”. المسرحية تتألف من تسعة عشر مشهدا وتتوزع على مائة وعشر صفحات، وهو من القطع المتوسط.