"مناضلون بلا عنوان... مناضلون في أي مكان...نكتب سير الأبطال للأطفال... ونحلم بالورد والخبز والزيت وكتب الحب والنار”، هي عبارات خالدة رددها الجمهور القسنطيني مطولا مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة في ليلة اختتام المهرجان الدولي للإنشاد في طبعته الرابعة بمسرح قسنطينة الجهوي. نشأ حوار مباشر بين الفنان مارسيل خليفة على أنغام آلة البيانو، ومحبيه الذين وقفوا مطوّلا لتحية هامة من هامات الفن العربي وإنشاد أشهر أغانيه الملتزمة التي ربطت في ليلة فنية ساحرة عبق أرض الأرز عبر جسر المحبة والأخوة، مدينة الصخر العتيق، مرورا بعشر دول عربية وإسلامية شاركت في مهرجان الإنشاد بقسنطينة، وقد زاد من جمالية المنظر حضور العلم الفلسطيني الذي كان يرفرف داخل ركح المسرح في موقف يؤكد تمسك أرض المليون ونصف المليون شهيد بقضية بلد النضال والكفاح، بلد الانتفاضات والرجولة. وكان مارسيل خليفة فارس حفل الاختتام بامتياز، الذي عرف حضورا كبيرا للعائلات القسنطينية من عشاق الفن الهادف والملتزم، وبعد حوالي ساعتين من التمرين وضبط الإيقاعات والصوت، دخل الفنان على جمهوره بالبذلة السوداء والوشاح الرمادي، وأبحر بالحضور لأكثر من ساعين في أزمان الحب والعشق، المقاومة والثورة والحلم بالغد الجميل، وغنى رفقة فرقته؛ نكوة عرب، أمي، جواز سفر، ريتا، عيناها، بحرية، بيني وبينك، منتصب القامة، وكان ختامها مسكا ب«مناضلون” بعد إصرار من الجمهور الحاضر. وعن قسنطينة، قال مارسيل خليفة بعد أداء التحية إلى روح الروائي والكاتب ابن المدينة مالك حداد؛ إنها مدينة محتشدة بالأسئلة والتأمل، بالذاكرة والحنين الذي لم ينطفئ نازعه مند سنوات استمرت فيه جمرة الذكرى في التوهج تلحم الوطن الأول بالزمن القادم. وقال الفنان اللبناني الذي أشرف على بيع بالإهداء لألبومه الأخير “ليلة مطر”، أنه عاد إلى المدينة بعد طول سفر ليجدها تشيّد جسورها الجديدة بمعزل عن الأحلام ونوازع الحنين، ويجدها أيضا كخيط شمس ينزل من السماء وزخّة مطر تتسلل من الأودية المتزاحمة المكللة بغناء الروح، فوق شوارعها تأتي الطيور لتقتات خلف كف الإيقاع، هي المدينة تحمل روح الموسيقى في شهقة اللحظة وفي صرخة عاشق فاجأه الحب في هيئة النهر والجسر والصخر، وفي صورة امرأة تجمع في داخلها كل النساء، تراقص من تلتقيه، متوهّج بصدى الصوت. وقال مارسيل خليفة: “من رأى ما رأيت، أودية لم تطأها سوى أقدام ثائرة، جبال تنثني لصباحات النغم، أياد مدّت أصبعها في النسائم الجبلية وفي مطر الضوء، في شهقة الصمت وفي غيم المواويل، نمشي ونرمي نظرة لنرى مدينة فرشت ضلّها في جذور الصخور وفي سنبلة تقود العصافير إلى مطارح النجوم لأخضر سال في جلد التلال”، ليضيف: “كل حب يقود إلى حب، فكيف للسائر نحو الحب أن ينجو من الحب قبل انفتاح الليل على الصبح وقبل أن تكبر الحنطة في الحقول، عندي من العشق ما جاوز العشق، عندي من الحب ما هو أوسع من محيط، أيتها المدينة أغترف ينابيعك دفعة واحدة، نقطة نقطة، لك ارتعاشة أناملي وأنا أعزف لك طيب أنفاسك”. من جهته اعتبر محافظ المهرجان، السيد جمال فوغالي، أن هذه التظاهرة سمحت بجمع العديد من الألوان، والدليل كان ليلة الافتتاح بالفنان المصري علي الحجار والاختتام بالفنان اللبناني مارسيل خليفة، وبينهما مرت 10 دول عربية و100 فنان جزائري تداولوا على ركح مسرح قسنطينة، ليضيف أن المهرجان انفتح على كثير من الرؤى الوطنية، الصوفية، العيساوية، الرومانية والدينية في سبع ليال للإنشاد والكلمة الطيبة. وعبر والي قسنطينة، السيد حسين واضح في أول ظهور رسمي له بالولاية، على هامش اختتام المهرجان الدولي الرابع للإنشاد، والذي جاء تحت شعار “الإنشاد يغني جزائر الأمجاد”، عن سعادته بتواجده في حفل ضم اسما لامعا في سماء الفن العربي الأصيل، وهو مارسيل خليفة الذي حسب الوالي عاد به سنوات إلى الوراء أيام شبابه عندما كان طالبا، ليضيف أن قسنطينة تستحق مثل هذه التظاهرات الرائعة، خاصة بجمهورها الذواق، وأن المدينة معروفة بعطائها وتقاليدها الفنية التي ستتدعم قريبا بتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015،للإشارة، فقد انطلق المهرجان بفيلا في 31 من شهر أكتوبر الفارط، وعرف تكريم المطرب الهادي رجب أحد الأعضاء المؤسسين للفرقة الموسيقية لجبهة التحرير الوطني، كما عرف مشاركة بعض الفنانين القسنطينيين المختصين في الإنشاد، على غرار ناصر ميروح، عبد الجليل أوخروف وكذا عبد الرحمان بوحبيلة الفائزين في مسابقة الشراقة للإنشاد، إلى جانب مشاركة مطربين من قسنطينة مختصين في نوع العيساوة والمديح، على غرار زين الدين بوشعالة، زين الدين بن عبد الله، أحمد بن خلاف وكذا بعض الفرق الجزائرية على غرار “الرشاد” من البليدة، “الشمائل” من تندوف و” الإشراق” من وهران، وهي الفرق المتوجة في المهرجانات الوطنية الثلاثة للإنشاد المؤهلة للطبعة الدولية بقسنطينة.