لم تسلم مصلحة الاستعجالات بمستشفيات العاصمة، من الإهمال وحالة اللامبالاة السائدة والتي يتجرع مرارتها بالدرجة الأولى المواطن البسيط، حيث كشفت الزيارة الميدانية التي قادت «المساء» إلى أكبر مستشفيات العاصمة ويتعلق الأمر بكل من مصطفى باشا بساحة أول ماي، نفيسة حمودي (بارني سابقا) بحسين داي وزميرلي بالحراش، أن مصلحة الاستعجالات ليلا هي عبارة عن هيكل بلا روح، إذ أنه يحتوي على كل العتاد الطبي الحديث وتتوفر فيه شروط النظافة، لكن مشاهد الإهمال قائمة والمواطن هو من يجني آثارها السلبية. بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الدولة لتحسين قطاع الصحة، إلا أن مستشفيات العاصمة لم ترق إلى المستويات اللائقة بسبب اللامسؤولية وغياب الضمير، ولم يجد المواطن حيلة تدفع عنه «أذى المستشفيات» التي ذهب ضحيتها الكثير بسبب الأخطاء الطبية من جهة، ولا مبالاة الأطباء بحياة المواطن من جهة أخرى، ويبقى السؤال المطروح إلى متى تستمر هذه الظاهرة ومن يعيد حقوق المواطن في توفير الخدمات التي يستحقها وهي العلاج والتداوي بدون «وسائط».
مصطفى باشا من سيء الى أسو أ جولتنا الأولى كانت باتجاه مستشفى مصطفى باشا الجامعي؛ وأول ما لفت انتباهنا هو مكتب الاستعلامات الذي كان خاويا على عروشه، فمجرد دخول المواطن إلى مصلحة الإستعجالات لايجد من يوجهه، وهي النقطة المشتركة التي تقاسمتها كل المستشفيات التي قمنا بزيارتها ليلا، بعدها انتقلنا إلى قاعة الإنتظار، حيث فوجئنا بمرضى مستلقين على الكراسي، وإحدى المسنّات فوق الناقلة اعتقدنا من الوهلة الأولى أنها ميتة، حيث قيل لنا أنها كانت تنتظر نتائج الأشعة الطبية، اقتربنا من بعض المواطنين فأعربوا لنا عن انتقادهم لتصرفات الأطباء مع المرضى، حيث يتركونهم ينتظرون لساعات طويلة من أجل التداوي ولا يفهمون معنى «الاستعجالات»، وأكد لنا أحدهم أن مستشفيات العاصمة وبالتحديد مصطفى باشا يزداد سوءا من سنة إلى أخرى، فبالرغم من أنه يمثل الوجه الحقيقي للعاصمة ويلجأ إليه المواطنون من مختلف ولايات الجزائر، إلا أن الإهمال يسوده والأطباء لايجدون حسيبا أو رقيبا لتصرفاتهم، في حين أضاف مواطن آخر أن مصطفى باشا عرف قفزة نوعية في استحداث الوسائل الطبية، لكن الرعاية غائبة تماما بدليل أن المواطن لا يجد ضالته حتى في الاستعجالات، فما بالك المصالح الاخرى التي تستغرق أوقاتا طويلة في المواعيد حتى يموت الإنسان.
حالة طوارئ بمستشفى سليم زميرلي وجهتنا الثانية كانت باتجاه مستشفى سليم زميرلي بالحراش، فلم تختلف الصورة عن سابقتها بل وجدنا مصلحة الاستعجالات في «حالة طوارئ» بسبب الاكتظاظ الكبير للوافدين الذين كانوا ينتظرون في القاعة، البعض يتألم والآخر يبكي من شدة الألم، سيارات الإسعاف تنقل المرضى الواحدة تلو الأخرى، مريضات يجلسن خارج قاعة الانتظار، بسبب ضيقها، ضجيج كبير، المواطن يشتكي بسبب طول الانتظار، اقتربت «المساء» من أحد المرضى مبتور القدم ينتظر فأجابنا أنه يعاني من داء السكري وفي كل أسبوع يجلس لساعات يتألم وينتظر دوره، مشيرا إلى أن «المعريفة» لم تشفع له للتداوي في الوقت المحدد، كما أن الأطباء الكبار و»البروفسورات» لايزورون هذه المصلحة ليبقى المواطن بين أيادي الطلبة المتربصين في غياب التأطير. من جهة أخرى لاحظت «المساء» توافدا كبيرا للمواطنين على قاعة الأشعة بسبب الكسور على مستوى القدم والساق، لكن بالمقابل جهاز واحد لم يستوعب كل المرضى وأكد لنا أحد الشباب أنه بقي لمدة 5 ساعات كاملة من أجل الأشعة، كما أوضحت إحدى المسنّات وجدناها بمدخل المصلحة أنها تضطر إلى المجئ إلى المصلحة لكنها «تموت ألف مرة» بقدومها بسبب انتظار الأطباء ليطلعوها عن نتائج الفحوصات.
مصلحة الاستعجالات بمستشفى «بارني» بدون ممرضين زيارتنا الثالثة كانت باتجاه مستشفى «بارني» بحسين داي ولاحظنا أن مصلحة الاستعجالات تعمل بدون ممرضين، حيث أكد أحد المواطنين أنه جلب ابنته للتداوي وكانت في حالة خطيرة إلى هذه المصلحة، لكنه تفاجأ بعدم وجود من يتكفل بها من الممرضين وشبه الطبيين، مضيفا أن أعوان الحراسة الذين يعملون ليلا يتقمصون هذا الدور ويقومون بإدخال المرضى إلى مختلف القاعات، كما يقومون بمساعدة الطبيب في أداء مهامه من خلال إعطائه مختلف الأدوية الطبية والمستلزمات. وأكدت إحدى المواطنات التقيناها بمدخل المصلحة وهي حامل أن الأطباء رفضوا استقبالها بعد انتظار طويل، وبالرغم من أن الحالة مستعجلة، إلا أن الطبيب قام بإرسالها إلى مستشفى القبة لأسباب مجهولة الأمر الذي اعتبره المواطن قرارا غير مسؤول في غياب الرقابة، من جهة أخرى أكد مواطن آخر أن هذه المصلحة ذهب ضحيتها عدد كبير من المواطنين، حيث لقوا حتفهم في انتظار الأطباء منهم سيدة كانت على وشك الولادة ولم تلق قبولا من طرف الأطباء لأنهم فضلوا النوم على العمل ليلا، وبما أن الصورة هي طبق الأصل في مختلف مستشفيات العاصمة، لم يجد المواطن سوى تجديد الدعوة للسلطات الوصية لتوفير الرقابة وإعادة تنظيم قطاع الصحة، ومعرفة سير الخدمات الصحية ليلا عندما يخلد المسؤولون للنوم ويترك الحبل على الغارب.