يحتضن قصر الثقافة مفدي زكريا إلى غاية 31 جانفي القادم، فعاليات الطبعة السادسة لصالون الخريف بمشاركة سبعين فنانا تشكيليا يعرضون 140 عملا. المعرض فضاء لاكتشاف المواهب الآتية من مختلف مناطق الجزائر، إلى جانب استقباله لأسماء فنية معروفة، علما أن هذا الفضاء عمومي وغير تجاري، مما يشجع هؤلاء على العرض والمشاركة الفعالة. ما يميز طبعة هذه السنة؛ مشاركة 24 فنانة تميزت أعمالهن بالدقة والإتقان مع طغيان الألوان الحية والأنثوية، علما أن ملصقة الدورة من تصميم الفنانة سلوى كريمي، خلال مسابقة نظمت منذ 5 أشهر. وأثناء زيارتها للمعرض المقام برواق باية، التقت ”المساء” بالسيد محمد شعوة المكلف بالعلاقات العامة، الذي أكد أن الإقبال على المعرض من طرف الجمهور يكون أكثر كثافة بعد الظهر إلى غاية السادسة مساء، علما أن المعرض مفتوح يوميا طيلة أيام الأسبوع من العاشرة صباحا حتى السادسة مساء، وفي بعض الأحيان تمدد فترة الزيارة إلى غاية وقت متأخر عندما تكون هناك تظاهرات بالقصر، لتمكين جمهور هذه التظاهرات من زيارة المعرض. تكاد اللوحات لا تنتهي وهي ممتدة في تسلسل متناغم، ويتراءى للزائر وهو يدخل الرواق لأول وهلة، أن اللوحات لامتناهية في امتدادها، تشع منها إضاءة ذاتية من فرط الألوان والأنوار والظلال. من بين المشاركين، هناك الفنان مباركي أحمد المعتمد أساسا على الألوان الزيتية المبسوطة على القماش متداخلة مع بعضها، مشكلة أبعادا هندسية متعددة الاتجاهات، وغير بعيد، تحضر لوحات حفاف نادية منها لوحة ”المسار المستعاد” التي تبدو فيها الخطوط العمودية الرفيعة، العمودية والملونة تشبه المطر المتهاطل، كما تبرز من خلالها أطياف بشر. رحماني سعيد يفضل الصفاء الأزرق، لذلك يستعمله كخلفية للوحة، ثم يضع ما طاب له من ألوان التي تحشو أشرطة أسطوانية ممتدة كأنها طريق معبد جميل، كما قدم نفس الفنان لوحة في الأسلوب التجريدي عن تراث الطاسيلي، تظهر بعض الرموز الثقافية الترقية، منها الحروف، الحلي وغيرها. الفنانة حفيز حسيبة الآتية من بريطانيا قدمت لوحة ”اضطراب” في أسلوب التجريد، وهي ترجمة لحالة نفسية انفعالية تبرز الألوان متداخلة فيما بينها في اتجاه نحو المركز أو العمق كأنه مدخل إلى عالم نفسي باطني، في لوحة أخرى استعملت الفنانة بكثرة الألوان الأنثوية، خاصة الوردية منها، جاعلة منها سيولا يتدفق بعضها على الأخر. نهاب صبرينة من البليدة توقفت عند ”منحة القراءة” وهو فضاء تجريدي تجتمع فيه الألوان التي تتجه كلها نحو المركز، تحمل دلالة أن الباطن هو دائما عمق الأشياء والكائنات، بالتالي فإن القراءة دوما سبيل إلى العمق. الفنان ايديو محمد من قسنطينة، قدم لوحة ”واجهتان”، الغلبة فيها للألوان الداكنة المتداخلة، يبرز من خلالها وجهان بالأبيض. بومغورا عبد الغني من أم البواقي، قدم ”دار السلام” وهي لوحة تحمل روح السذاجة والصبيانية وبعض الملامح والألوان الإفريقية، خاصة الأصفر والأخضر، تبرز بيتا بسيطا وسط حديقة غناء. بختي كمال من تلمسان تناول ظاهرة ”الانتحار”، حيث حملت لوحته خلفية تجريدية في أشكالها وألوانها، وضعت عليها قطع السجائر، حبل الشنق وبقع الدم، في لوحته الثانية قدم بورتريه فنان في سن النضج، يبدو كأنه فيلسوف متمكن، لإبراز دور الفنان في المجتمعات. كما شارك في المعرض سعادة سفير اليابانبالجزائر، السيد تسوكاسا، من خلال لوحتين؛ إحداهما خاصة بجامع ”كتشاوة” العتيق، حيث رسمه على هيأته كما كان في القرون السالفة ورصد محيطه من خلال الأسواق والمارة، اعتمد السفير الفنان أساسا على اللون البرتقالي المشع بنور الشرق الساحر، وفي لوحته الثانية، قدم المشارك الديبلوماسي لمحة عن مدينة غرداية العتيقة تقابل بشموخ وادي ميزاب وهي في كامل عنفوانها وإشعاعها الذي يبهر الزوار. بن عبد الله حسيبة من وهران عادت بميناء الباهية إلى قرون مضت، حيث الهدوء والصفاء والأنوار الطبيعية والبيوت المتراصة ذات الأسقف الآجورية، في نفس الإحساس عادت خوجة حنان من عنابة، إلى ذكريات مرتبطة بأماكن معينة عالقة في الوجدان دوما، في حين رصد الفنان مولودي مصطفى من بشار تراث الصحراء من خلال القصور التي جسد بعضها بتقنية الرسم على الرمل بالبني بكل تدرّجاته. العادات والتقاليد حاضرة في المعرض مع نادية ناريمان خمار التي تبدو لوحاتها النايلية كأنها تحف من المدارس الفنية للقرن ال 19. بوسعيد مكشاش من بجاية، قدم تنبؤات ”يسودها الظلام الذي تبرز من خلاله أبواب” ذات رموز بربرية تتجه نحو السماء. حضر في فن الخط العربي خوان رضا الذي تناول موضوع الأمومة التي تتجسد في الحضن الدافئ الذي تتجمع فيه الحروف والكلمات، لوحة أخرى «فضاء” تبدو فيها الحروف متناثرة فوق مخطوط عنيق. أبدعت الفناة بوزنون سكينة في ”اللاعب طام طام” وهو رسم أفيقي متقون بامتياز، فنانو آخرون أبدعوا في تجسيد طبيعة وتراث الجزائر، منهم محمودي نادي من سطيف وكحلان عبد الرحمان الذي صور القصبة كأنها مدينة فارسية من زمن ألف ليلة وليلة، كما هناك لوحات بأسلوب الخلط بمعدن النحاس. شاركت في المعرض السيدة فرانسيسكا سال موشادو وحرم سعادة سفير الموزامبيق بالجزائر التي تناولت ”مسيرة النساء” اللواتي بدين بقامات شاهقة رافعات رؤوسهن بشموخ، كما تناول موضوع الأم ذات الطيف الجميل وهي تحتضن صغارها. كحال لمين من بريطانيا قدم معالم القصبة كمسة سيدي عبد الرحمان والسماكة في سنة 1830. يوجد بالمعرض فضاء للصور الفواتوغرافية التي شارك بها مثلا عرفي وحاج قويدر عبد الكريم وشطاط رابح، أغلبها تتناول موضوع الطفولة والتقاليد الشعبية في الجزائر العميقة، كما احتوى المعرض أعمالا في النحت لمرابطي رافا من باتنة، تناول فيها وضعية الفنان الذي شبهه بالإنسان البدائي الذي يسكن مغارة مهجورة ومعه طاولة الرسم البائسة، تماما كحاله هو. عرضت أيضا مومياء ملفوفة بورق الخشب تحمل بوصلة، كأنها تبحث عن وجهة الحضارة. أعمال أخرى تستحق المشاهدة لما فيها من إبداع وتألق.