الجزائر مفتوحة على التاريخ، تتغلغل في داخله، تشدّه من جميع نواحيه، تجمعه ليس من منطقة واحدة، بل تتقصاه وتأتي به من جميع الأمكنة والمدن البعيدة لتخط به حكاية من حكاياتها، تنسج منه ما تيسر لها من حضارات متباعدة ومتقاربة، وهاهو الزّاب يقودنا إلى رحلة دلالية تكشف لنا عن مبناها ومعناها وتتجول بنا في الأصقاع البعيدة غائصة في منشئها من النبع إلى المصب، مرة أخرى يتحفنا الأستاذ الباحث فوزي مصمودي بواحدة من روائع دراسته التي يرتبط فيها المكان بالتاريخ، وتجري فيها الأزمنة بين باسمة راضية وضربات قاضية، الدراسة تحت عنوان “الزّاب.. المصطلح والدّلالات”، ساهمت في نشرها منشورات مديرية الثقافة بالتنسيق مع منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين فرع بسكرة. وأنا أقلب أوراق هذه الدراسة، شدّني إليها ذلك الحظ الّذي أحاطها، حيث قدمها كل من المدير الولائي للثقافة الأستاذ عمر كبّور ورئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين، حيث جاء في الكلمة الأولى: “إن الحديث عن “الأدب الجزائري” يدفع بنا نحو مواجهة قضايا لا نقوى عن الخوض في جدال معها.. ولعل أخطر قضية الطباعة”، ويرى مدير الثقافة أن الطباعة شكلّت همّا ثقيلا، عانى منه الأدب الجزائري، مع إهماله وتشويهه، وأكدّ أن هذه الدراسة "... بذرة في ساحة الأدب الجزائري، نريد لها أن تنشي وتورق وتستوي على ساقها..”، كما تناول فرع اتحاد الكتاب الجزائريين الكتابة من خلال الرؤى التي يراها في السلسلة التي يصدرها "سلسلة رؤى أدبية”.ّ أما الأستاذ فوزي مصمودي، فوضع خريطة طريق لدراسته البحثية من الناحية التاريخية والتجذر والجغرافية والامتداد الزمني والمكاني، بدأها بتعريف بإقليم الّزاب الذي هو بشرق المغرب الأوسط ودوره التاريخي عبر العصور والدول التي نشأت فيه أو حلت عليه من الدولة الأغلبية والمرينية والزيانية، كما تتبع الباحث التغيرات المستمرة التي كانت تحدث على هذا الإقليم، إلى جانب تغيير عواصمه ومدنه حسب المستجدات والرهانات الدولية هن كمدن: زابي، طبنة، ملشون، حيّاس.. وأخرى بقيت صامدة كقسنطينة، المسيلة، بسكرة وميلة. وأشار الباحث فوزي مصمودي إلى أنه تناول في هذه الدراسة مدلولات هذه الكلمة “الزّاب” والمراحل التاريخية التي شهدها الإقليم من الرومان والوندال والبزنطيين، وصولا إلى الفتوحات الإسلامية والدول التي تعاقبت على حكم هذا الإقليم كالأغلبة، الفاطمية، الزيرية، الصنهاجية، الحمادية، الموحدية والحفصية. ووزع المؤلف دراسته على محاور رئيسية هي: الزاب لغة، زاب المشرق، بلاد الزاب خلال الإحتلال الثلاثي، إقليم الزاب في بداية الفتح الإسلامي، في عهد الأغالبة الفاطميين، الزيريين، الحماديين، بني هلال، الموحدين، بسكرة قاعدة بلاد الزاب، مدن الزاب القديمة، الزاب اليوم، الزاب في الشعر العربي، وختم دراسته بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدها لدراسته. الكتاب من القطع العادي ويتوزع على 79 صفحة، بما فيها الفهرس.