غزا التطور كل مناحي الحياة، حتى تلك المتعلقة بالحرف اليدوية التي أتقن الإنسان صناعتها منذ القدم، ولم تعد الصناعات مثل النسيج والحياكة والجلود تقتصر على ما تعلمه الحرفيون من تراث الأجداد، بل سعى كل في مجاله الخاص إلى إدخال روح العصر حتى يتماشى إبداعه مع العصر الجديد والمتجدد. امتد الاهتمام بالتراث الجزائري إلى العناية بالحرف الوطنية التقليدية والحفاظ عليها رغم التطور الهائل في أدوات ووسائل الإنتاج، وتم صقل مهارات القائمين على هذه الحرف وتشجيعهم على الانضمام لدورات تكوين لصقل مواهبهم، أو دورات تكوين تحضيرا لتسيير مؤسسة مصغرة قائمة على الصناعة اليدوية، أو حتى إقامة معارض متخصصة تمكنهم من التعريف بمنتجاتهم وتبادل الخبرات والرؤى مع حرفيين آخرين، كذلك يعرف الاهتمام بالحرفة اليدوية إقبالا متزايدا سواء من المواطنين والسائحين على السواء. ويظهر ذلك من الخلال التوافد السنة تلو الأخرى على الصالون الدولي للصناعة التقليدية مثلما كان عليه بالنسبة للطبعة ال15 منه لهذه السنة، وقد لاحظت "المساء" ازدياد عدد العارضين بهذا الصالون خاصة من طرف الحرفيين الجزائريين الذين ظهر اهتمامهم بالصناعة التقليدية في كل مجالاتها، وسعى الكثيرون منهم إلى إدخال ميزات العصر على مصنوعاتهم حتى تتماشى مع روح العصر، ومنه على سيبل المثال المصنوعات الجلدية التي تطورت كثيرا سواء فيما يخص اللباس مثل السترات والمعاطف والأحذية، أو المشغولات اليدوية الصغيرة كحافظات النقود والهواتف النقالة وحاملات المفاتيح وغيرها. في الموضوع تحدثنا الى الحرفي "أيلوم سيدي محمد" من بلدية برج عمر إدريس ولاية إيليزي الذي كان حاضرا في الصالون الدولي في جناح النسيج وصناعة الجلود، ويعتبر الحرفي نفسه متعدد المواهب أو كما يسمى باللغة التارقية "انهاضن" فهو يصنع الجلود والفضة والسيوف، ويجيد النقش على الخشب والطرق على الحديد، يقول الحرفي ''حصل تطور نوعي في حرفتنا، فنحن نواكب العصر في مشغولاتنا، فمثلا أدخلنا في صناعة الجلود كل ما يسهل الحياة اليومية مثل حافظات الهواتف النقالة واكسسواراتها وإكسسوارات أخرى خاصة بالسيارات، وكذلك حاملات المفاتيح، والكل بمختلف الأحجام والألوان، والتطور أدخلناه أيضا على الحلي الفضية حتى تتماشى وذوق السياح، فنحن حسب الملاحظات المقدمة إلينا من طرف هؤلاء نقوم بإعداد أطقم حلي أو قطع تتماشى مع الرغبة الشخصية للسائحة مثلا، ونقيس على ذلك ذوق باقي السائحات من نفس البلد الذي تنتمي إليه وهكذا، والنوع الذي يثير الإعجاب أكثر نعتمد على تصنيعه أكثر، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الهدايا التي ترتبط بصورة مباشرة بطبيعة المعيشة الصحراوية''. من جهة أخرى يتحدث الحرفي على الصناعة التقليدية اليدوية في منطقة إيليزي مشيرا إلى الصعوبات التي يواجهونها في الحصول على المادة الأولية، ناهيك عن غلاء ثمنها، ولذلك فهو يناشد السلطات المعنية لمساعدة الحرفيين في مساعيهم الرامية للحفاظ على تراث الأجداد.. ''الصناعة التقليدية هي الأصل ونحن نريد الحفاظ عليها ولذلك نطلب الدعم والمساندة، صحيح أن التكنولوجيا مهمة جدا ولكن رصيد الإنسان الحقيقي يبقى الحرفة والصناعة اليدوية، فالحرفي بإمكانه العيش في أي مكان بحرفته، وبه يمكنه التأقلم مع أي بيئة مهنية''، ويرى الحرفي من جهة أخرى أن كلمة حرفي صغيرة جدا وفيها انتقاص للقيمة الكبيرة للصناعة اليدوية التي يقوم بها أي صانع يدوي، ويطالب الوزارة الوصية ببرمجة زيارات ميدانية لورشات الحرفيين على مدار أشهر السنة للاستماع الى انشغالاتهم، ومنها إنشاء مدبغة للجلود على مستوى ولاية إيليزي، وكذا منح الحرفيين قروضا دون فوائد. الجدير بالإشارة أن الحرفي قد أنشأ الجمعية التعاونية للصناعات التقليدية ببرج إدريس لتكوين الشباب الراغبين في تلقي مهارات يدوية ومن الجنسين، وتضم كامل الاختصاصات.