انطفأت يوم الجمعة الماضي بمصر إحدى الشموع الفنية التي أنارت عالم الفن الرابع بأرض الفراعنة لسنوات طويلة وصنعت مجدها الركحي بعديد الأعمال وكثير الانتاجات المسرحية، حيث رحل عن الوجود الفنان المسرحي الكبير سعد أردش مساء الجمعة بالولايات المتحدةالأمريكية حيث سافر للعلاج عن عمر يناهز 86 سنة. هذا الفنان الكبير الذي تربطه بالجزائر علاقة خاصة بدأت بتدريسه في المعهد الوطني للفنون الدرامية لبرج الكيفان خلال سنوات الستينات رفقة الفنان الراحل أكرم مطاوع، عندما استضافته الجزائر ليكون واحدا من أساتذتها الذين تخرج على يديهم أعمدت الدراما في الجزائر على غرار عز الدين مجوبي وصونيا ومحمد فلاق وزياني شريف عياد، وانتهت باستضافته وتكريمه السنة الماضية في إطار فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته العربية التي نظمت ضمن فعاليات تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وكأنّ القدر أمهل سعد أردش حتى يعود إلى الأرض التي أحبها وقضى فيها سنوات شبابه ليكرم فيها و يقدم آخر أعماله المسرحية "الشبكة" رفقة الفنانة سميحة أيوب، أردش وقف على خشبة محي الدين بشطارزي بعد سنوات طويلة من الغياب وحيا الجزائر وشعبها وأشاد بالطاقات الفنية الشابة ودعا الجيل الجديد للمزيد من الجهد والعمل. يعد الفنان القدير سعد أردش واحدا من رموز النهضة المسرحية في الستينيات، وهو يميل للمسرح السياسي اجتماعي، تعامل الفنان خلال مسيرته مع أبرز كتاب المسرح في تلك المرحلة الذهبية للمسرح المصري ومنهم نعمان عاشور ومحمود دياب وسعد الدين وهبة وغيرهم فضلاً عن الأعمال المترجمة لكتاب أجانب. ولد أردش في محافظة دمياط المصرية الواقعة على ساحل البحر المتوسط وشارك في التمثيل في أفلام في مطلع الخمسينات أولها (ظهور الإسلام) عام 1951 وتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة عام 1954وفي العام التالي تخرج من كلية الحقوق بجامعة عين شمس، ثم سافر أردش إلى ايطاليا لمواصلة الدراسة، عند عودته إلى مصر أخرج مسرحيات منها (السبنسة) لسعد الدين وهبة و(النار والزيتون) لالفريد فرج كما شارك بالتمثيل في مسرحيات منها (الأرض)، وأخرج أردش مسرحيات تجريبية منها (يا طالع الشجرة)، (هالو شلبي)التي شكلت نقطة انطلاق الممثل المصري سعيد صالح ومحمد صبحي وأحمد زكي. كما قدم من المسرح العالمي أعمالا منها (كاليجولا) و(دائرة الطباشير القوقازية) و(الشبكة) للألماني برتولد بريخت آخر ما أخرجه للمسرح القومي بالقاهرة عام 2007. شارك أردش بالتمثيل في مسلسلات تلفزيونية كثيرة إضافة إلى أفلام تعد من كلاسيكيات السينما المصرية منها (قنديل أم هاشم) لكمال عطية عام 1968 و(الاختيار) ليوسف شاهين عام 1971 وكان آخر أفلامه (الحجر الداير) الذي أخرجه محمد راضي عام 1992. نال الفنان الراحل العديد من الجوائز والأوسمة منها وسام العلوم والفنون عام 1967 وجائزة الدولة التقديرية، وشملت مسيرته الفنية على امتداد 40 عاما أعمالا متميزة سواء فى التمثيل أو الإخراج ومن أشهر أعماله "سكة السلامة"، "المال والبنون"، "عطوة أبو مطوه"، "الأسطي حسن"، "شباب امراة" وغيرها. وللراحل العديد من المؤلفات الفنية والدراسات والأبحاث أهمها "المخرج فى المسرح المعاصر"، "خادم سيد درويش"، "ثلاثية المصيف"، "جريمة فى جزيرة الماعز"، " انحراف فى مقر العدالة"، "أجوينى" ، "بياتريس"، و"كارلو جولدونى" وهى سلسلة مسرحيات عالمية. كما كتب في عدة دوريات فنية وثقافية متخصصة منها "مجلة المسرح" الجزائرية، "فصول الإبداع الفنى"، و"أعلام العراق"، ومن المنتظر أن يوارى الفنان الثرى اليوم بمصر.