تأجلت المفاوضات بين طرفي الأزمة السورية التي كانت مقررة لنهار أمس، بمدينة جنيف السويسرية، بسبب"طارئ" عكر الأجواء وحقن الموقف الصعب الذي يواجهه الموفد الأممي الأخضر الإبراهيمي. وقالت ريما فلايهان إحدى عضوات وفد المعارضة السورية أن الأخضر الإبراهيمي اضطر الى رفع الجلسة الأولى بعد رفض الوفد الحكومي إبداء أي نية في التعاون حول الملفات المعروضة على الطاولة". ولكن وفد الحكومة السورية سارع هو الآخر الى إعطاء دواعي قراره محملا مسؤولية ذلك إلى الولاياتالمتحدة التي قررت تزويد المعارضة بمزيد من الأسلحة الحربية. وأكد فيصل مقداد مساعد وزير الخارجية السوري أن اجتماع أمس "كان من المنتظر أن يخصص لبحث مضمون وثيقة "جنيف 1" ولكن قرار الادارة الأمريكية القاضي بتزويد الجماعات الإرهابية بمختلف الأسلحة جعلنا نقرأ بيانا في بداية جلسة أمس حيث وقع نقاش حول مضمونه فإذا بنا نفاجأ بأعضاء الوفد المعارض يؤيدون القرار الأمريكي. وأكد مضمون البيان أن القرار الأمريكي يعد محاولة مباشرة لمنع التوصل إلى تسوية سياسية". وجاء هذا التوقف في وقت كان فيه الأخضر الإبراهيمي يأمل الدخول في صلب المفاوضات بين الفرقاء السوريين وكلما طرح فكرة إلا ووقف بنفسه على صعوبة مهمته وتعقيداتها ورغم ذلك فهو مصر على مواصلتها مادام الطرفان مصرين على التفاوض. ورغم مرور خمسة أيام على انطلاق مؤتمر "جنيف 2" ورغم العقبات التي بدأت تظهر في أفق تسيير مفاوضاته فإن الأممالمتحدة تشبثت بهذه الفرصة من أجل إنجاحها أو على الأقل الإبقاء على شعرة معاوية بين الفرقاء والحرص على عدم انقطاعها في مسعى جدي هذه المرة لإنهاء المأساة السورية. ويدرك الأخضر الإبراهيمي أن طرح أولى نقاط جدول أعمال المؤتمر المتعلقة بالحكومة الانتقالية التي تعني بطريقة آلية مستقبل الرئيس بشار الأسد تستدعي صبرا وتحكما أكبر في إدارة إحدى أعقد المفاوضات لأكبر أزمة سياسية وإنسانية يعرفها العالم. ويبقى المتتبعون ينتظرون الجلسات المتبقية من عمر الجولة الأولى التي حددت لها مهلة عشرة أيام تنتهي الجمعة القادم قبل تقييم ما تم التوصل إليه من نتائج والعراقيل التي يجب تذليلها قبل الجلوس ثانية الى طاولة المفاوضات. ويبدو أن الإبراهيمي ازدادت قناعته في مواصلة مهمة مساعيه بعد أن لاحظ لدى جانبي الحكومة والمعارضة استعدادا لبحث خلافاتهما وعدم الانسحاب من المفاوضات رغم هوة الشرخ القائم بينهما فيما يخص قضايا جوهرية في صراعهما. ويتعين على الوسيط الدولي المشترك قبل ذلك إيجاد نقطة التقاء بين الطرفين المتحاربين حول خارطة الطريق التي انتهى إليها مؤتمر "جنيف 1" في نهاية جوان 2012 والتي اعتمدت كخطة لمواصلة مفاوضات "جنيف 2" بعد أن أبدت السلطات السورية رفضا لها بقناعة أنها وضعت دون مشاركتها وأيضا لأنها وضعت رحيل الرئيس بشار الأسد بمثابة مفتاح حل الأزمة السورية. وهي المقاربة التي رفضتها دمشق وما انفكت تؤكد أنها فكرة تخص أصحابها وأما مستقبل الرئيس الأسد فلا أحد بإمكانه البت فيه من غير الشعب السوري عبر انتخابات ديمقراطية. وشكل رحيل الأسد وبقاؤه النقطة الحمراء للمعارضة التي تصر على ذهابه وأيضا بالنسبة للنظام السوري الذي يرفض حتى الحديث عنها بقناعة أنه لا يحق لأي كان أن يخوض فيها أو حتى توقع طرح قضيته على طاولة المفاوضات. وهو ما جعل الإبراهيمي يؤكد بعد جلسة نهار الاثنين أن المفاوضات "لم تثمر أي شيئ " وهو أمر متوقع على اعتبار أن الجانبين يريد كل منهما منذ البداية التأكيد للطرف الآخر القضايا التي يمكن التفاوض بشأنها وتلك التي تبقى من المحرمات التي لا يجب الخوض فيها من منطلق أنها قضايا مبدئية ولا يمكن التفاوض بشأنها. بالإضافة إلى القضايا ذات الأولوية التي يراها طرف هامة لإنهاء الأزمة بينما يريد الطرف الآخر زحزحتها إلى المرتبة الثانية والثالثة من حيث أهميتها لإنهاء المأساة السورية. فبينما تصر المعارضة على أن رحيل الرئيس الأسد يبقى أولى الأولويات بعد أن حملته مسؤولية ما عرفته سوريا من مآس طيلة ثلاث سنوات يصر مفاوضو الحكومة على وضع مسألة المجموعات المسلحة التي ينعتونها ب«الجماعات الإرهابية" على الطاولة لحسم قضيتهم وبعدها يكون لكل مقام مقال.