تلتئم اليوم أطراف الثلاثية ممثلة في الحكومة والنقابة وأرباب العمل، في اجتماع يرأسه الوزير الأول السيد عبد المالك سلال بالعاصمة، للفصل في مسائل اقتصادية واجتماعية هامة مطروحة للنقاش منذ فترة، وفي مقدمتها ملف تعديل المادة 87 مكرر من قانون العمل، بعث القرض الاستهلاكي الموجه لدعم الإنتاج الوطني، وكذا تحيين العقد الاقتصادي والاجتماعي. كما سيكرَّس اجتماع اليوم أيضا لدراسة نتائج أفواج العمل الخمسة، التي تم تأسيسها في اجتماعها الماضي الذي انعقد في 10 أكتوبر 2013 وإقرارها بصفة رسمية. اجتماع اليوم الذي يحمل الطابع الاجتماعي والاقتصادي سيكرَّس بالدرجة الأولى لمسألة رفع الأجور ودعم القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، لا سيما عبر بعث القرض الاستهلاكي الموجه بصفة حصرية، لتشجيع المنتوج الوطني المحلي، وهو الملف الذي كلّفت الثلاثية الأخيرة التي انعقدت في أكتوبر المنصرم، فوج عمل مشترك خاص برئاسة وزير التجارة مصطفى بن بادة، بمناقشتها وإعداد تقريرها بخصوصه. وكانت مسألة الأجور المرتبطة بشكل مباشر بمراجعة المادة 87 مكرر من قانون العمل، طُرحت لمفاوضات طالت لسنوات مضت، إلى أن أقر اجتماع الثلاثية الأخيرة الفصل فيها بشكل ملموس ونهائي؛ من خلال ما سيتم عرضه من نتائج فاصلة، تفضي وفق ما أعلنت عنه أطراف من الحكومة ومن المركزية النقابية في الفترة الأخيرة، إلى تعديلها بشكل يسمح بفصل المنح والعلاوات عن تركيبة الأجر الوطني الأدنى المضمون، ومن ثمة إقرار زيادة آلية في الأجور، قد يتم الإعلان عنها في اجتماع غد، غير أن تطبيقها لن يتم قبل إقرار التعديلات التي سيتم إدخالها على هذه المادة، ومنها على قانون العمل من قبل البرلمان بعد الانتخابات الرئاسية، فإن ملف بعث القرض الاستهلاكي الموجه لاقتناء المنتوجات المحلية والذي تعتبره قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين مكسبا لها، على اعتبار مسألة دعم الإنتاج الوطني تُعد من أهم المسائل التي ظلت تناضل لأجلها، لن يثير أي إشكال في اعتماده من قبل الأطراف المجتمعة اليوم بإقامة الميثاق، ذلك أن المحاور والإجراءات المرتبطة بهذا الملف تمت مباشرتها على مستوى الجهات المتخصصة، ومنها المؤسسات المالية التي تعمل في الوقت الحالي على التكيف مع نظام تأمين مخاطر القروض التي ستتولى تغطيته الهيئة المركزية لتسيير مخاطر القروض، التي سيتم إنشاؤها في شهر أكتوبر المقبل، وفقا لما أعلن عنه محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي الأسبوع المنصرم. واستنادا على هذه الآجال المعلنة فلا شك أن إقرار بعث القرض الاستهلاكي الموجه للإنتاج الوطني، سيتم اعتماده بموجب مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014، وذلك حتى يتزامن تطبيقه مع دخول مركزية تسيير مخاطر القروض حيّز التنفيذ، وهي نفس الآجال المقررة أيضا لبداية تسويق أول سيارة "رونو" مصنّعة على المستوى المحلي. لقاء الحكومة بشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين اليوم، والذي يُعد مكملا للقاء الأخير الذي يحمل الطبعة ال15 في تاريخ هذه اللقاءات الثلاثية، سيستهل جدول أعماله باستعراض حصائل عمل الأفواج المشتركة الخمسة التي تم منحها مهلة ثلاثة أشهر لإعداد الآليات التقنية الكفيلة بدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. وقد شملت الأفواج المشتركة المنصّبة في أكتوبر المنصرم، الفوج الأول الذي ترأّسه وزير التطوير الصناعي وترقية الاستثمار عمارة بن يونس لتولّي إعداد الميثاق الاقتصادي والاجتماعي للنمو، الفوج الثاني الذي ترأّسه وزير المالية كريم جودي لتولّي مهمة اقتراح كيفيات مساهمة الصندوق الوطني للاستثمار في تمويل الاستثمار الوطني العمومي والخاص، في حين تم تكليف الفوج الثالث برئاسة وزير السكن والعمران والمدينة عبد المجيد تبون، بصياغة اقتراحات حول تسهيل مشاركة المؤسسات الوطنية للبناء والأشغال العمومية والري في إنجاز البرنامج الوطني للتجهيز. وأوكلت للفوج الرابع الذي يشرف عليه وزير التجارة مصطفى بن بادة، مهمة صياغة ملف تشجيع الإنتاج الوطني وبعث القرض الاستهلاكي، في حين تولّى فوج العمل الأخير الذي أشرف عليه مدير الديوان لدى الوزير الأول، إعداد الاقتراحات المرتبطة بملف تأطير أعمال التسيير. وستعيد المداخلات والنقاشات التي تدور اليوم بين الأطراف الحاضرة في الاجتماع، التأكيد على ضرورة دعم الاقتصاد الوطني وتنويعه، لا سيما عبر الإجراءات المتخَذة من قبل الحكومة في الفترة الأخيرة، والرامية بالأساس إلى إعادة بعث القاعدة الصناعية الوطنية بإحياء المصانع والمركبات التي كانت تصنع مجد الصناعة الجزائرية في سنوات السبعينيات والثمانينيات، وإعادة بعثها في إطار شراكات مربحة، تقوم على التكوين المؤهل للعمال ونقل التكنولوجيا الحديثة. وتسعى الحكومة من خلال سياستها الجديدة لتنويع الاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية لقطاع المحروقات، إلى مضاعفة عوامل نجاح مسعى تطوير الاقتصاد؛ من خلال التركيز على قطاعات محورية تُعتمد كمحركات قوية لهذا الاقتصاد، وهو ما ظل الوزير الأول يؤكد عليه في زيارته الميدانية إلى ولايات الوطن، من خلال دعوته المتكررة إلى ضرورة عودة كل ولاية إلى طابعها الاقتصادي الخاص، سواء كان زراعيا أو رعويا أو صناعيا أو سياحيا أو غير ذلك، على اعتبار أن كل طابع يميّز هذه الولايات يُعد مكسبا ثمينا لدعم الاقتصاد المحلي والوطني. وفضلا عن النقاط المذكورة التي أصبحت تصنع شبه توافق تام بين الحكومة والشريك الاجتماعي الممثل في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، فإن منظمات أرباب العمل من جهتها، لن تفوّت فرصة اجتماع اليوم للتأكيد مجددا على مطالبها، المرتبطة أساسا بضرورة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ورفع العراقيل التي تعترض مسألة الحصول على العقار الصناعي، وكذا ملف تمويل الاستثمار من قبل البنوك، فضلا عن إقرار تحفيزات إضافية في مجال التخفيف الجبائي. وإذا كان اجتماع الثلاثية اليوم يبشر بقرارات سارّة بالنسبة للطبقة الشغّيلة وفق ما أعلن عنه قبل أيام زعيم المركزية النقابية، في إشارة إلى استعداد الدولة لإقرار ملفات مهمة بالنسبة للجزائريين قاطبة، على غرار ملف الأجور والقرض الاستهلاكي ودعم المؤسسات الوطنية، فإنه في الوقت يكرّس مسار الحوار الهادئ وجو الثقة، الذي أصبح يطبع العلاقة التي تجمع الشركاء الثلاثة، ويصب بالدرجة الأولى في صالح خدمة السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. وفي ذلك قيمة أخرى من القيم النبيلة التي أرستها اللقاءات الدورية لهذه الأطراف الثلاثة، التي ستعمل اليوم على تقوية هذه الروابط المتينة؛ من خلال تحيين العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي تم إبرامه في سبتمبر 2006.