الفنان ابن بيئته، والصحراء بحكم اتساع مساحتها وميزة تضاريسها، أصالة أهلها وعراقة فنها، تنجب في كل حين مواهب في شتى الميادين، واد سوف من بين المناطق الصحراوية الزاخرة بكتابها، أدبائها، شعرائها، فنانيها ومطربيها، إذ يعد الطرب من أهم سمات الفن السوفي العريق. في جولة لأيام معدودة هناك، تسنى لنا اكتشاف فنانين في قمة العطاء، فغير ”محمّد محبوب” صاحب الأغنية الأصيلة (رباني ترابك ياسوف) وأغان أخرى سوفية كثيرة، وهو المطرب الغني عن التعريف، مناعي، حالفنا الحظ للاحتكاك بفنانين آخرين ممن حباهم الله بقدرات صوتية خارقة للعادة، قوية ودافئة تأخذك بعيدا وتدخل إلى قلبك البهجة والسرور وأنت تستمع لها، مستمتعا لا تمل ولا تكل، من بين الأصوات الطربية التي أمتعتنا حقا المطرب ”إدريس تومي” الملقّب بشحرور الطرب السوفي الذي يمتلك حنجرة ذهبية ببحة جميلة لها خاصية شبيهة إلى حد كبير ببحة سلطان الطرب ”جورج وسوف”، الفنان تومي من مواليد 08 /09 /1954 بالوادي بحي الشهداء، متخصص في الغناء المحلي العصري والطربي، يملك حوالي 200 أغنية، شارك في العديد من المهرجانات المحلية والوطنية والدولية، من بينها مهرجان دوز، وتوزر (تونس)، صاحب الأغاني السوفية الطربية الجميلة منها: (أدهم زي الليل)، (يا زهرة فات الربيع) وأغنية الأم التي يتغنى بها بالأم على لسان يتيم فقد والدته، فقد الصدر الحنون؛ كلمات سوفية فصيحة جدّ مؤثرة، ولعل امتزاج الفصاحة بجمال الأداء هو ما ولّد الطرب، فالأغنية السوفية تنفرد بكلمات لها أبعادها، تجلب إليها المستمع من كل واد، وهذه بعض الكلمات التي بقيت عالقة في الذاكرة وسيطول وجودها قطعا، منها: كتيت كت الجمل ما يكيدوني ... حسيت الدرك نازل على مكنوني.. وكلمات أخرى لا تقل جمالا وعمقا وهي: بره من عندي مسموح لكن بعدي لمن تروح؟ ولعل من أجمل القصائد التي تغنى بها ”إدريس تومي”؛ تلك التي أهداها لفلسطين المسلوبة، إليكم أجمل مقطع منها: لو كان الموت أيخيرنا لاخترنا الموت عن العار. ولكتبنا جميع قصائدنا بحروف الغضب والنار. عبري دنس مساجدنا أكباش صرنا لجزار... كما أن للقصائد في وادي سوف كتّاب لا يحصون ولا يعدون، وللطرب فنانون معروفون ومجهولون متألقون، من بينهم شحرور الأغنية السوفية ”إدريس تومي” الذي كان لقاؤنا به جد مثمر، هي موهبة لم تأخذ حظها من الانتشار رغم استحقاقها لذلك، وكم من مواهب أخرى تزخر بها واد سوف مدفونة، سمعنا عنها ولم يسعفنا الحظ للأسف للقائها ونفض الغبار عنها ونأمل أن تكتشف إعلاميا لأنّها بالفعل جديرة بالاكتشاف ...