تعتبر السيدة فريدة جبالي رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والشؤون الدينية والوقف والشباب والرياضة بالمجلس الشعبي لولاية الجزائر، أن الثامن مارس ما هو إلا محطة لتقييم إنجازات المرأة الجزائرية التي أكدت بشأنها أنها كثيرة ومهمة. وهي تتحدث في هذا الحوار عن بعض تلك الإنجازات، وبكثير من الأحاسيس العميقة تحدثت عن عمل اللجنة التي ترأسها، وهو العمل الذي جعلها تقف على معاناة الفئات الهشة بمجتمعنا.. قبل الخوض في أي حديث، هل من كلمة بمناسبة إحياء يوم المرأة العالمي؟ أولا أقول أن الثامن مارس ليس مجرد يوم احتفالي بقدر ما هو وقفة لتقييم ومراجعة أنفسنا ومعرفة أين وصلنا، كما أنه لا يمكننا إنكار كل ما تحقق للمرأة الجزائرية من مكاسب بعد 50 سنة من الاستقلال. بالأمس كانت المرأة في جبهات القتال جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل لتحرير الوطن، بعدها شاركت في كل الميادين لبناء الجزائر، واليوم ما تزال موجودة على كل الأصعدة لتحقيق مزيد من الرقي والازدهار سواء في مجتمعها أو في مهنتها أو حتى على المستوى الشخصي لها.
كيف تتعامل اللجنة التي تترأسونها مع الفئات الهشة، خاصة المرأة؟ وكما يدل عليها اسمها، فنحن نتعامل مع الفئات الخاصة وتحديدا مع ذوي الاحتياجات الخاصة، الطفولة المسعفة، المسنين والنساء في شدة وحتى مع المرضى المزمنين، كل هذه الفئات ترتكز وتدور حول المرأة، لأنها الأم التي تعتني بأسرتها، فإن كان في إحدى الأسر فرد يعاني من إعاقة أو مرض أو غيره، فإن الأم هي من تعاني معه، لذلك حضرت اللجنة الملف وعرضته في 12 فبراير المنصرم في الدورة العادية للمجلس الشعبي الولائي، وحمل عنوان “التكفل المؤسساتي بذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الهشة”، وتضمن التقرير نظرة حول واقع هذه الفئات في المجتمع من أجل تذليل الصعوبات التي تواجه هؤلاء لتمكينهم من مواجهة التحديات التي باتت تثني عزائمهم، إذ لا يكفي جهد الدولة مهما كان كبيرا ما لم يدعمه دور المجتمع.
تتحدثون هنا عن قوانين موجودة لكن غير مطبقة، أو حتى مشاريع موجهة لبعض تلك الفئات لكنها لم تر النور بعد! بالتأكيد، فالفئات الهشة مصطلح عام يشمل إلى جانب المعاقين والعجزة والمحرومين والنساء في شدة، الطفولة المسعفة والأمهات العازبات والمختلين عقليا والمشردين.. كل هؤلاء لم تتخل عنهم الدولة، فخصصت برامج كثيرة للتكفل بهم وسنت قوانين كثيرة لحمايتهم، كما أنشأت مؤسسات تأويهم، لكن فيه الكثير من نقاط الضعف التي تعمل اللجنة على الكشف عنها ولفت الانتباه إلى أهمية أخذها في الحسبان، فمثلا وقفنا في زياراتنا الميدانية إلى العديد من تلك المراكز على واقع غير مقبول تماما، فإلى جانب نقص الوسائل البيداغوجية والعتاد المكيف بمراكز المعاقين بما يتماشى مع خصوصية كل إعاقة، وقفنا على تجاوزات في بعض المؤسسات التربوية ممن لم تفتح أقسام مدمجة للأطفال ذوي الإعاقة. كما لا بد من إنشاء مراكز أخرى للتكفل بالفئات الهشة، كون معظم المراكز الحالية لا تتوفر على الشروط اللازمة ولم تعد تلبي طلباتهم. وأنا في هذا المقام أشير إلى أن كل المراكز الموجهة لهذه الفئات قديمة وهشة للغاية، لذلك لا بد من إنشاء مراكز أخرى تراعي الشروط والمعايير اللازمة. أما فيما يخص المراكز التي لم تر النور بعد، فإنني أتحدث عن مشروع “حي الطفولة” بابن عكنون، الذي بقي يراوح مكانه منذ عام 1997، رغم أنني أريدَ له أن يكون مركزا اجتماعيا تربويا شاملا للطفولة المسعفة والطفولة المعاقة.
تظهر المساعدة الاجتماعية كوسيط يُبين متاعب الفئات الهشة، رغم ذلك فإن دورها مغيب، فما تعليقكن؟ هذه مسألة حساسة تطرقنا إليها ضمن الملف المعروض مؤخرا، وقلنا بأن المساعدة الاجتماعية استبدلت مؤخرا بخلايا الإصغاء الجواري، كان لها دور كبير تقدمه في إطار خدمة الفئات الهشة، فدورها يرتكز على تقريب الوضع الاجتماعي للمختصين ومنهم المُنتخبين بهدف التدخل في الوقت اللازم قبل تفاقم الوضع، فالمتابعة الميدانية تجعلنا نؤكد على أن العديد من الأمراض النفسية، الجسمية وحتى العقلية يكون سببها ظروف اجتماعية مثل الفقر أو الحاجة أو قلة التغذية أو حتى الجهل، هذه عوامل تؤثر على طبيعة حياة الأفراد والمجتمع ككل، هنا يمكن للمساعدة الاجتماعية أن تلعب دورا في مساعدة الفئات الهشة من المتقدمين في السن والأمهات سواء في العناية بمرضهم أو مرضاهم، أي أنها يمكن أن تتدخل، حيث تكون هناك حاجة لمساعدة، فتفهم الظروف الاجتماعية والصحية للناس، وبذلك يتم التدخل في الوقت المناسب درءا لتفاقم الوضع.
هل تطالب لجنتكن بإعادة الاعتبار لهذه المساعدة؟ نعم، ذكرنا ضمن التوصيات المرفوعة لوالي الجزائر الذي بادر بالمناسبة بتعيين لجنة مشتركة بين المجلس الشعبي الولائي والهيئة التنفيذية لزيارة كل المؤسسات التي تمت معيناتها، وهي في المجمل 14 مؤسسة ستخرج الأسبوع القادم لتسجيل كامل النقائص والعمل على تداركها، إذ من ضمن تلك التوصيات أدرجنا طلب إعادة فتح منصب المساعدين الاجتماعيين للوصول إلى خريطة اجتماعية تعكس حقيقة الواقع الاجتماعي لكل الشرائح وضرورة تفعيل نشاط الخلايا الجوارية من خلال التقرب من الفئات الهشة عبر بلديات الولاية للوصول إلى التكفل الأحسن وإيجاد حلول ملائمة لهذه الفئات، ليس هذا فحسب، بل طلبت اللجنة بضرورة القيام بعمليات إحصاء للمسنين المهملين على مستوى العاصمة -التي تعتبر منطقة عبور، حيث أصبحت مراكز المعاقين والمسنين بها تعرف اكتظاظا كبيرا بسبب توافد عدد كبير منهم من ولايات الوطن- بإنشاء مؤسسات علاجية مختصة بالأمراض العقلية لتخفيف الضغط على المؤسسات العمومية الإستشفائية، إلى جانب توفير الأدوية الخاصة بالمختلين عقليا، حيث تشكو أغلب المصحات العقلية بالعاصمة من تكاليف ارتفاع أسعار المهدئات وأدوية العلاج وندرتها في بعض الأحيان. كما لا تفوتني الإشارة إلى أننا طالبنا بالعمل الجدي للقضاء على ظاهرة التسول واستغلال الأطفال كمهنة للربح السريع، عن طريق تفعيل وتطبيق نص المادة 195 من قانون العقوبات التي تقضي بمعاقبة مرتكبيها من شهر إلى 6 أشهر.
هل من رسالة في ختام حديثكن؟ أقول بأن لكل إنسان الحق في أن يتمتع بإنسانيته، ويحيا حياة كريمة. والفئات الهشة مهما بلغت وضعيتها تحتاج إلى رعاية خاصة وتأهيلهم في المجتمع، لذلك فإن الاهتمام بهذه الفئات مسؤولية تقع على عاتق الجميع من الهيئات الرسمية والأجهزة التنفيذية وجميع المصالح المعنية على مستوى المديريات ومجالس البلديات. ونحن نؤكد مرة أخرى على أن خدمة هذه الفئات الهشة تتطلب وعيا ومرونة وتسهيلات لإعادة بعث الأمل في نفوسها وإدماجها في الحياة العامة.