ما تشهده القضية الفلسطينية في هذه الأيام يفوق كل تصور ويخرج عن المنطق -إن كان هناك منطق في الأساس يحكم هذه القضية- بعد أن تعدى الأمر الحديث عن مقايضة أراض محتلة بعد جوان 1967 بأراض أخرى في مناطق محتلة لا حاجة استراتيجية ولا حيوية لإسرائيل فيها. وأصبح الحديث اليوم عن مقايضة الاعتراف بالهوية العنصرية للكيان المحتل، وهو يهودية الدولة، بقضية إنسانية محدودة تتمثل في إطلاق سراح دفعة من قدامى الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية تم الاتفاق على إطلاق سراحهم في وقت سابق بعيدا عن هذا الشرط التعجيزي وتسمية المقايضة بالإنسانية باعتبارها تخص أسرى ليس بالضرورة أن يكونوا أسرى حرب هو وصف مجازي، لأن يهودية الدولة وفرض الاعتراف بها ينافي كل المبادئ الانسانية لأنها بالأساس فكرة عنصرية معناها باختصار تهجير الفلسطينيين -كل الفلسطينيين- من الأراضي ”اليهودية” المفترضة أو المنتظرة، وغلق ملف عودة اللاجئين وفلسطينيي الشتات نهائيا. أكثر من ذلك، يصبح الكفاح الفلسطيني من أجل تحرير الأرض عملا إرهابيا جاء ليرهب أصحاب الحق فيها، وهم الاسرائيليون، بعد أن اغتصبوا الأرض وشردوا أهلها وقتلوا أبناء شعبها طيلة ما يزيد عن الستة عقود. ويهودية الدولة العبرية اليوم ليس إلا الخطوة النهائية في المخطط الصهيوني المبني في الأساس على إقامة دولة يهودية عاصمتها القدس ”الموحدة” ورمزها الهيكل المزعوم. فإلى أي حد يعي العرب الذين يدعون أن القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية للأمة وبأنها أم القضايا في الصراع العربي - الإسرائيلي خطورة هذا الأمر؟ وقبل ذلك، هل يعي الفلسطينيون، كبيرهم وصغيرهم، بأن قيام الدولة اليهودية الذي يعتبر خطوة هامة في مخططها يعني بالضرورة زوال ما سمي عبر التاريخ جغرافيا فلسطين؟ ولا أخال العقل الفلسطيني المقاوم المتشبث بالتراب قبل النفس أنه لا يدرك هذه الحقيقة، ويدرك -أكثر من ذلك - أن ما يثار من قلاقل في الوطن العربي هو تغطية على الانتهاكات التي تمارس في فلسطين، بل يدرك بأن حقه أخذ يتآكل بتسارع رهيب يوم قبل بالتفاوض على بعض حقه، ذلك أن الحق لا يجزأ.