كرّم أول أمس بالمسرح الوطني ”محي الدين بشطارزي” الفنانان فتيحة سلطان وحسان بن زراري بعد مشوار حافل بالإبداعات والتألّق الذي دام أكثر من ثلاثة عقود، أعطى فيها هذان النجمان فنا راقيا ضمن لهما مكانة متميّزة في وجدان الجمهور الجزائري من الحدود إلى الحدود، وهو ما انعكس في الحشود التي توافدت على قاعة العرض الكبرى للمسرح والتي سدّت الأفق. بمبادرة من الجمعية الفنية والثقافية ”الألفية الثالثة” والتعاون مع الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، تمّ تكريم الفنانين فتيحة سلطان وحسان بن زراري اللذين دخلا قاعة المسرح على أنغام العيساوة لفرقة ”الباي” الآتية من قسنطينة، وهي المدينة التي أنجبت الفنانين المكرمين وغيرهما من صنّاع الفن والثقافة في الجزائر، فأضفت فرقة ”الباي” أجواء مستوحاة من التراث واستطاعت أن تخطف الجمهور العاصمي عن بكرة أبيه ليسافر معها إلى الشرق الجزائري دون تردّد، ووجد هذا الجمهور التنوّع بعدما ظل في مثل هذه المناسبات مرتبطا فقط بالزرنة العاصمية، وتفاعل الفنانان بدورهما فوق المنصة مع الفرقة وحييا من خلالها الجمهور الغفير. نشّط الحفل محسن بوزرطيط الذي اعتبر الفنانين قامة من القامات الفنية لمدينة قسنطينة التي قدّمت الكثير للفن الجزائري، بالتالي تستحق التكريم الذي هو لحظة عرفان، وقبل بدء حفل التكريم طلب المنشط من الجمهور الوقوف دقيقة صمت ترحما على روح الفنانة الراحلة شريفة لمرور 40 يوما على رحيلها. وحضرت الحفل كوكبة من ألمع نجوم الغناء والتمثيل التي شاركت الضيفين البهجة وظهر مدى الارتباط المتين بين الفنانين، خاصة بين الأجيال السابقة، وكان من بين الذين حضروا؛ الفنان القدير مصطفى برور، محمد عجايمي، السيدة جميلة القبائلية، قريقش وغيرهم. افتتحت الحفل الفنانة حسيبة عبد الرؤوف التي أدت وصلة غنائية في الطابعين العاصمي والمغربي، لاقت تجاوب الجمهور وبدا التناسق بينها وبين الفرقة الموسيقية التي قادها الفنان خالد سفيان وحرصت في كلّ مرة على تحية الفنانين اللذين جلسا فوق أريكتين وضعت خصيصا فوق الخشبة. بعدها، صعد المنصة الفنان سليم هليل الذي ملأ فضاء الخشبة حيوية وحركة وراح ينشّط الجمهور ويجذب نظره وأحيانا يقبل رأس الفنان بن زراري، وبعد دخلة في الفلامينكو أدى رائعته ”أنا عقلي اداتو”، ثم غنى في النوع العاصمي. وبكلّ تواضع، دخل الفنان الكبير محمد العماري محييا الفنانين ومعهما مدينة قسنطينة العريقة التي اشتاق إليها وإلى أطباقها التي لا يعلى عليها ليغني رائعته ”جزائرية”، يطوف بها المنصة ويحيي بها جمهوره الوفي الذي استقبله بالتصفيق والزغاريد المدوية، كما أدى أغاني أخرى من رصيده الحافل، بعضها من تلحين أكبر الفنانين المغاربة، وقد لوحظ احتفاظ العماري بصوته الجهوري الذي بقي مدويا، معبرا رغم تقدم السنون.توالت الأصوات على المنصة، منها صوت الفنان القدير محمد لعراف الذي أدى في الصحراوي وصوت الفنان بن زينة الذي أمتع الجمهور بالتراث، لينطلق بعدها التكريم الذي كان عبارة عن ميداليتين وشهادتين محفورتين على أقراص فضية، كما خصّ الفنان بن زراري ببرنوس من الوبر وضع على منكبيه اللتان حملتا مشوارا طويلا من العطاء. وعلى هامش الحفل، أشار رئيس جمعية الألفية الثالثة، السيد سيد علي بن سالم ل«المساء”، إلى أنّ الحفل هو الرقم 70 في سلسلة التكريمات التي انطلقت منذ سنة 2001، والتي ترمي إلى تقديم العرفان لهؤلاء والتعريف ببعضهم لجيل الشباب، أمّا السيدة فتيحة سلطان، فتأجّج بداخلها الحنين لأيام المسرح بالعاصمة وتذكّرت رائعتها مع الراحل بوقرموح ”المحقور”، كما أشادت بهذه المناسبة التي لها وقع خاص عند أيّ فنان. بن زراري الذي عرف عند الجمهور العاصمي منذ ”دورية نحو الشرق” لعمار العسكري وفي أعمال أخرى ناجحة، بدا متأثرا بالتكريم، مؤكّدا أنه سيبقى في ذاكرته مدى الحياة لأنّ تكريم الفنان في وطنه الأم لا يضاهيه تكريم آخر، حتى ولو كان في أكبر المهرجانات الدولية. استمرت بعدها الأجواء الاحتفالية بحضور العائلات العاصمية التي أعادت للمسرح الوطني أيام عزه، على أن تتكرّر مثل هذه المناسبات في القريب العاجل، واقتربت ”المساء” من بعض العائلات التي ثمنت المبادرة وأكدت التزامها بالنشاطات التي ينظمها المسرح أيام السبت لفائدة العائلات.