تتحدث السيدة فاطمة جمعة عضو ”الفيدرالية الوطنية للصناعات التقليدية والحرف” ل”المساء”، عن الإنجازات الكثيرة التي تحققت خلال العقدين الأخيرين للمرأة عموما والحرفية بشكل خاص، وأوضحت في هذا الحوار، مساعي الفيدرالية إلى إنشاء ”قرية الحرفي” عبر كل ولاية، يكون دورها أشمل من دار الحرفي. كما تتحدث بشكل خاص عن مسارها الحرفي وولعها بخياطة العلم الوطني. شهد قطاع الحرف في الوطن تطورات كبيرة في العقدين الأخيرين، كيف تقيمون هذا التطور خصوصا بالنسبة للمرأة الحرفية؟ صحيح، شهد قطاع الصناعات التقليدية والحرف اليدوية عدة تطورات في السنوات الأخيرة، انعكس بشكل إيجابي، ليس فقط على المرأة الحرفية، إنما على أسرتها، ذلك أن أغلب الحرفيات يقمن بإعالة أسرهن بما يعرف بمفهوم ”الأسر المنتجة”. وساهمت سياسة الدولة المتعددة في دعم هذا القطاع، ومن ذلك القروض المصغرة والقرض على البطالة، إلى جانب فتح التكوين على مصراعيه أمام كل من يرغب في تلقي فنون حرفة يدوية معينة، كل هذا انعكس إيجابا على المرأة الحرفية، ومن خلالها مساعدة أسرتها، لذلك أعتقد أنها بمثابة حجر الزاوية في قطاع الصناعات التقليدية، حيث تهتم بأسرتها أولا، ثم تنطلق نحو حرفتها التي تمثل إبداعاتها الشخصية في المقام الثاني، لذلك جاءت كل آليات الدولة المدعمة لهذا الإبداع حفاظا على الصناعة التقليدية التي تعتبر واحدة من مقومات الهوية الوطنية، ودعما للمرأة الحرفية المعيلة عن طريق تفعيل دورها في المجتمع وزيادة إنتاجيتها من خلال تدريبها ومهاراتها وتعزيز قدراتها وتشجيعها بأن تكون لها مشاركة إيجابية وفعالة في التنمية المحلية.
هل تقصدون بهذا أن المرأة الحرفية حلقة مهمة في سلسلة الإنتاج؟ طبعا أكيد، ومما لاشك فيه أن الإنتاج الحرفي يعزز أهمية البعد الاجتماعي والاقتصادي للمرأة الحرفية، أولا لأنها منتجة وإنتاجها يساهم في تحسين مستواها المادي، بالتالي المستوى الاقتصادي لأسرتها، وهذا بفضل المعارض والصالونات المقامة بغرض تسويق المنتوجات الحرفية، كما أن المرأة الحرفية استطاعت أن تشق طريقا خاصا بها، حيث تمكنت من منافسة الرجل في اكتساب بعض المهارات والحرف والتفوق فيها. وهنا أشير إلى أن رسالة ”الفيدرالية الوطنية للصناعات التقليدية والحرف” تتلخص في السعي إلى الرقي بمستوى الحرفيين والحرفيات وجعلهم حلقة مهمة في عجلة البناء الاقتصادي للوطن، والفيدرالية تعمل من أجل هذا بتقديم الإرشاد والتوجيه والخدمات الفنية للحرفيات أينما وجدن، وتنظيم دورات للتكوين والتأهيل في العديد من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، ولكنني أؤكد على أهمية دعم الدولة في هذا المجال من أجل حفظ الملكية الفكرية للحرفيين والحرفيات، حفاظا على رزق الآلاف منهم وعلى الحرف اليدوية من الزوال.
هل تقصدون هنا حفظ الصناعة التقليدية والإبداع الحرفي من السلع المستوردة؟ نعم، أقصد حفظ الملكية الإبداعية للحرفيين، نحن نعيش اليوم انفتاح السوق المحلية واسعا على أسواق العالم بفضل عمليات الاستيراد، وفي هذا المجال، أقول بأن الاستيراد كثيرا ما يكون عشوائيا، بالتالي لا يخدم الصناعات المحلية، خاصة اليدوية، أذكر لك مثالا عن صناعات الأحذية، فهناك أسر بأكملها تحترف هذه الصناعة في منطقة بني عمران بولاية بومرداس، للأسف تراجعت مؤخرا عنها بسبب الأحذية الصينية المستوردة التي تباع بسعر أقل بكثير من الصناعة المحلية اليدوية التي هي أكثر جودة من الأولى، هنا تحديدا يأتي دور الدولة في حماية الحرفي من الاستيراد العشوائي، كونه يعيش تطورات المجتمع الهائلة في جميع الميادين، لكنه لا يتمكن من مجاراتها كلية، لذلك كان للفيدرالية مؤخرا لقاء مع عدة فاعلين في المجال لصياغة دعوة وجهت للسلطات المعنية لطلب دعم وحماية الحرفي.
هناك حديث متداول حول أهمية التكوين بالنسبة للحرفيين، هل تعتقدون أن المرأة الحرفية بحاجة إلى تكوين في حرفة تبدع فيها بالفطرة؟ أكيد، التكوين لا يعني إعادة تعليم المرأة الحرفية ما تعرفه مسبقا، وإنما جعلها على اطلاع مستمر بكل جديد في حقل حرفتها، واليوم قطاع الحرف اليدوية يحصي المئات من أنواع الحرف والصناعات التقليدية، لكن هدف التكوين الأساسي هو تعزيز القدرات والكفاءات التسييرية للحرفية، فتتعلم كيف تعتني بحرفتها وبمنتجها، حسب تطورات العصر، وحسب متطلبات السوق التي تعرف توافدا كبيرا للسياح، خاصة أننا على أبواب موسم الصيف السياحي، والتكوين وحده لا يكفي، إذ لا بد من مرافقة لضمان إدارة جيدة وتحسين أداء المؤسسات الصغيرة التي يمكن إنشاؤها في هذا المجال.
على ذكر الموسم السياحي، هل تعتقدون أن العرض فيما يخص الحرف اليدوية يلبي الطلب؟ للأسف لا، هنا عودة إلى الحديث عن أهمية دعم الدولة في حماية الملكية الإنتاجية للحرفيين، فبصفتي عضوا في فيدرالية الحرفيين، أتيحت لي فرصة زيارة العديد من مناطق الوطن، فكل منطقة تعج بمئات الحرفيين والحرفيات وأنواع متعددة من الصناعة التقليدية التي ترقى إلى العالمية، لكن للأسف، عندما يحل السياح يجدون السوق تروج لمنتجات يدوية من صنع تونسي أو مغربي أو حتى صيني، بينما للمنتجات الجزائرية فقليل، وهذا ما جعلنا في الفيدرالية نتحدث عن إنشاء ”قرية للحرفيين”، تكون بمثابة ملتقى لمختلف الصناعات التقليدية والحرفية، تختلف في مفهومها وتجسيدها عن ”دار الحرفي”، لأن القرية ستكون أشمل وتضم الأنواع الثلاثة للحرفيين: الحرفي الفني، الحرفي المنتج والخدمات أي التسويق وغيره. هذه الفكرة تم اقتراحها على الجهات المعنية والفيدرالية تسعى إلى تحقيقها في كل ولاية مستقبلا، ونعول عليها كثيرا في إعادة الاعتبار للكثير من الحرف الآيلة للزوال، كصناعة النحاس والترصيص الصحي وغيرها.
نعود إلى المرأة الحرفية، ما رأيكم في المعادلة.. دبلوم حرفي أوشهادة جامعية؟ الشهادة الجامعية علم لا يفنى والدبلوم الحرفي هواية متأصلة، من السهل جدا الجمع بينهما، فالواقع اليوم يشير إلى أن العديد من الموظفين يعملون في مناصب لا توافق تخصصاتهم الجامعية، رغم شهاداتهم العلمية، لذلك نجد البعض منهم يتجه نحو تغيير مسار حياته العملية، مثلا، بالاستثمار في إبداع داخلي، أي هواية يحبها في جانب معين يسعى إلى الاستثمار فيها من أجل تغيير مساره المهني، بالتالي تحقيق التوازن الاقتصادي الذي يبحث عنه، ومن لا يملك إبداعا معينا أو حرفة يفضلها يسعى إلى تلقي تكوين ما في أية حرفة يدوية ترمي به إلى بر الأمان المالي، هذا ما يجعلني أؤكد دائما على أن (المحموم يقدي بالنار)، حسب المثل الشعبي، ومعناه من يملك صنعة معينة عليه أن يشمر على ساعديه ويعمل بيديه ليحسن من وضعه عوض الاستسلام للبطالة.
حدثينا عن اهتمامك الخاص بخياطة العلم الوطني. الأمر موروث عن والدتي المجاهدة وردية شعباني التي كانت تخيط الأعلام الوطنية لوالدي المجاهد محمد جمعة، واسمه الثوري ‘موح السعيد' بمنطقة بغلية في الولاية التاريخية الأولى، وأهم ما في الموضوع أن أمر اعتمادي كخياطة للراية الوطنية تطلب انتظار مدة 3 سنوات وإجراء تحقيق أمني مكثف، وتحصلت مؤخرا على الاعتماد وأنا حاليا أواصل دراستي الجامعية في قانون الأعمال، وأزاول حرفتي اليدوية التي أعتز بها كثيرا، إذ تعد مميزة ولا يتقنها إلا البعض. في السياق، أشير إلى أن خياطة العلم الوطني تخضع لمقاييس محددة حتى بالنسبة لألوانه، فالأخضر المصرح به هو الأخضر الحشيشي وليس ما نراه أحيانا من أعلام وطنية تتداخل ألوانها بمجرد تبللها بماء المطر. لذلك لابد من الحذر من هذا الأمر، لكنني رغم هذه المسؤولية، أفتخر بحرفتي المميزة وأعتز برؤية الرايات الوطنية التي أخيطها ترفرف عاليا في سماء الوطن. وبالمناسبة، أسعى إلى خياطة علم وطني بطول كيلومترين، سيكون بمناسبة عيد الاستقلال في 5 جويلية 2014.