وضع فرقاء الحرب في جنوب السودان، سيلفا كير وريك مشار، أمس، حدا للاقتتال الدائر بينهما منذ قرابة خمسة أشهر من خلال اتفاق وقعاه بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والتزما من خلاله بوقف نهائي لإطلاق النار بين قواتهما. واتفق الرئيس سيلفا كير، ونائبه السابق ريك مشار، على إسكات لغة الرصاص وفتح باب المفاوضات بعد ضغوط أمريكية ومساعي وساطة أممية كللت أخيرا باتفاق العاصمة الإثيوبية، الذي أنهى حربا أهلية دامية تخللتها عمليات إبادة جماعية من الجانبين قد تدرج ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ودخل وقف إطلاق النار بين قوات الغريمين حيز التطبيق ليلة أمس، على أن يكون تشكيل حكومة انتقالية بمثابة التجسيد الأمثل لهذا الاتفاق، مهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات عامة ورئاسية في تاريخ يتم تحديده لاحقا. وقال سيوم مسيفين، رئيس منظمة دول شرق إفريقيا “ايغاد” التي ضمنت مساعي الوساطة بين طرفي الحرب الأهلية في جنوب السودان، أن اتفاق العاصمة الإثيوبية تضمن أيضا إجراءات استعجالية بفتح أروقة إنسانية بالتنسيق مع منظمات الإغاثة الدولية، لإيصال مساعدات إنسانية للسكان المحاصرين جراء الحرب، والذين أصبح الجوع يتهدد حياتهم. ويمكن القول أن وقف الاقتتال بين الإخوة الأعداء في جنوب السودان، يعد خطوة عملاقة على طريق العودة الى الحياة العادية في بلد يعد من أفقر دول العالم، ويحمل في طياته كل بذور الانفجار وخاصة من وجهة نظر عرقية، حيث تتطاحن عدة إثنيات من اجل فرض منطقها على العرقيات الأخرى. وهو العداء الذي تكرس بين عرقية قبائل دينكا، التي ينحدر منها الرئيس كير، وعرقية النوير التي ينحدر منها خصمه مشار، وهو ما حال دون وقف الاقتتال في بداياته الأولى. ولكن هل ستكتب الديمومة لهذا الاتفاق الذي فرض على الفرقاء فرضا، ووقعاه مرغمين، وفي وقت كان كل واحد منهما يصبو لأن يبسط سيطرته على اكبر الولايات غنى بالنفط السبب المباشر للصراع؟ فإذا كانت المجموعة الدولية قد رحبت بالاتفاق ووصفته بالانجاز الكبير من اجل حقن دماء الشعب الواحد، فإن ذلك لم يغلق كلية باب المخاوف من احتمالات انهيار الاتفاق بسبب صعوبة تطبيق بنوده على الأرض بسبب الشحناء التي طبعت موقفي الجانبين، والضغينة التي تكرست بينهما طيلة أشهر الحرب الأهلية؟. ولم يخف إسماعيل شرقي. محافظ السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي. عندما أكد أن التوقيع على الاتفاق لا يعني عودة السلم الى جنوب السودان بالسهولة التي قد يتصورها البعض. بالنظر الى الأزمة الحالية وتداعيات ما خلّفته من عداء وكراهية. وهي القناعة التي عبّر عنها وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي لعبت بلاده دورا محوريا في التوصل الى اتفاق أديس أبابا، عندما أكد أن المهم الآن أن يتم تطبيق الاتفاق، وان يحظى بتأييد قوات الجانبين بقناعة أن الشعب الجنوب سوداني عانى الكثير من الويلات. وهي مخاوف مشروعة إذا علمنا أن الجانبين توصلا شهر جانفي الماضي، الى اتفاق مماثل ولكنه انهار في حينه بعد أن حمل في طياته أسباب موته، بل وزاد في درجة تعنت مواقف الجانبين واستحال على الطرفين تنفيذ بنوده. والمؤكد أن للمجموعة الدولية، دور يجب أن تلعبه لمرافقة أعداء الأمس ليكونوا إخوان اليوم، من خلال وسائل دعم لتطبيق الاتفاق وتفادي انهياره كما حدث لأول اتفاق بينهما.