تحول تنظيم "بوكو حرام" الإسلامي المتطرف في نيجيريا، من مجرد تنظيم دعوي إسلامي محصور نشاطه في ولايات معدودة في شمال هذا البلد إلى موضوع يحظى باهتمام دولي، وفي مختلف المحافل ضمن محاولات للقضاء عليه. وحتمت الأنشطة الإجرامية وعمليات القتل الجماعي والاختطافات التي أصبح ينفذها في السنوات الأخيرة، على الكثير من الدول إيلاءه اهتماما بسبب تنامي خطره ليس على الأمن الإقليمي ولكن أيضا بسبب تهديده لمصالح القوى الكبرى في نيجيريا وكل منطقة غرب القارة الإفريقية. وفي محاولة لتحييد أنشطة هذا التنظيم المعادي لكل ما هو غربي، التقى رؤساء دول هذه المنطقة بالعاصمة الفرنسية باريس بدعوة من الرئيس فرانسوا هولاند، في أول قمة تعقد من اجل بحث سبل استراتيجية أمنية قادرة على وقف تهديدات هذا التنظيم على الأمن الإقليمي وحتى الدولي. وهي القناعة التي ظهرت فجأة بعد إقدام التنظيم على اختطاف أكثر من 200 طالبة ثانوية في ولاية بورنو على الحدود الكاميرونية قبل أسبوعين، وفشل أبوجا في تحريرهن قبل أن يقدم مسلحون من بوكو حرام ليلة الجمعة الى السبت، بتنفيذ هجوم مسلح استهدف قاعدة لعمال صينيين في الكاميرون المجاورة وخلف مقتل أحد العمال واختطاف عشرة آخرين. وشكلت العمليات المتلاحقة لبوكو حرام وقتلها مئات الضحايا في مختلف أنحاء البلاد من مسيحيين ومسلمين، وعجز السلطات النيجيرية عن صدها اكبر تحد لدول المنطقة، قبل أن ينتقل الى دول كبرى مثل فرنساوالولاياتالمتحدةوالصين وبريطانيا. وهو الأمر الذي تكرس أكثر بعد حصول عناصر التنظيم على ترسانة ضخمة من مختلف الأسلحة المهربة من السوق الليبية المفتوحة ضمن عملية أخلّت بميزان القوة مع وحدات الجيش النظامي النيجيري الذي عجز عن التصدي لخطره الداهم. وبقدر ما أصبح هذا التنظيم يستقطب الاهتمام فإن الدول الغربية وجدت فيه الذريعة لتوسيع رقعة تدخلها العسكري في إفريقيا التي بدأتها بعملية "سيرفال" الفرنسية في مالي، و"صنغاريس" في دولة إفريقيا الوسطى، وهي تريد الآن أن توسعها بعملية مماثلة في نيجيريا مادامت الذريعة متوفرة والغطاء كاف لتحقيق ذلك. ولم تكن عملية اختطاف الطالبات بالنسبة للرئيس الامريكي باراك اوباما، ثم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، سوى الذريعة المواتية التي انتظراها من اجل إيجاد مبررات التدخل. ويمكن القول أن الانتقادات التي وجهتها الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة للرئيس النيجيري غودلوك جوناتان، والجيش النظامي في نيجيريا ليست نابعة من فراغ إذا علمنا أنها تمهيد للمطالبة بنشر قوات غربية في هذا البلد بدعوى مساعدته على مواجهة الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم بوكو حرام على استقرار إحدى اكبر الدول الإفريقية سكانا واقتصادا وقوة عسكرية. ويمكن إدراج تصريحات وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي مثل بلاده في قمة باريس ضمن هذا الاتجاه عندما أكد انه من المهم أن تتحمّل الحكومة النيجيرية مسؤولياتها بالجدية التي يستدعيها الموقف، ويجب أن نضع استراتيجية تمكننا من دحر بوكو حرام والقضاء عليها. وإذا سلمنا أن القوات النيجيرية لم تعد قادرة على تحقيق ما ترسمه هذه الاستراتيجية فإن الأمر سيكون بداية لعملية تدخل عسكري دولي جديد في القارة الإفريقية. وإذا تحقق ذلك فإن رقعة التدخل الغربي ستكون الأكبر من نوعها منذ استقلال الدول الإفريقية سيتينيات القرن الماضي من ليبيا الى مالي ووصولا الى نيجيريا مرورا بدولة إفريقيا الوسطى. وهي كلها مناطق تأكد أن باطن أراضي دولها يحوي أكبر الاحتياطات العالمية من مختلف المناجم والمواد الأولية التي تحتاجها الشركات الكبرى والدول الصناعية لضمان هيمنتها على الاقتصاد العالمي. وهو ما يفسر ذلك الصراع الخفي والمعلن بين دول مثل الصينوالولاياتالمتحدة، وحتى الهند واليابان وروسيا والدول الاستعمارية السابقة من خلال زيارات سامي مسؤوليها والمنتديات الاقتصادية الضخمة لدول القارة مع هذه القوى، والتي عادة ما تخصص لتعزيز هذه العلاقات وبخلفية قطع الطريق أمام أي منافس محتمل. وتكون الدول الغربية من خلال قمة باريس، أرادت أن تقطع الطريق أمام منافسيها في قارة عذراء ضمن عملية لتقاسم الأدوار تأكد من خلال تجربة ما حدث في ليبيا، ثم في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، وقبلها كوت ديفوار أن الولاياتالمتحدة عادة ما تتكفل بالشق السياسي لأية عملية وبريطانيا بالدعم اللوجيستي بينما تتكفل فرنسا بالشق العسكري بدعوى استعادة الاستقرار والأمن، ولكن الخفي منها يبقى المحافظة على مصالح هذه الدول والتوازنات الكبرى في مختلف مناطق العالم. والفارق هذه المرة أن فرنسا خرجت من نطاق تأثيرها التقليدي على الدول الإفريقية التي كانت تحت سيطرتها الى دولة ناطقة بالانجليزية في تحول يدخل ضمن تبادل الأدوار في لعبة المصالح الاستراتيجية الغربية ضد مصالح قوى صاعدة تريد أن تفرض كلمتها وضمان مصالحها.