يحذر السيد بلال جمعة، رئيس الاتحادية الوطنية للحوم الحمراء والبيضاء، من الاستهلاك اللاواعي للحوم المجمدة التي يوجه بشأنها نداء لربات البيوت تحديدا، للاستعمال الحسن. ويتحدث في لقاء خاص مع «المساء» عن سلبيات الشراء العشوائي لها، داعيا الأسر الجزائرية إلى العودة إلى تبني اختيار «جزار العائلة». كما يدعو وزارتي الفلاحة والتجارة إلى التنسيق الجيد بهدف التنظيم والتسيير الأمثل للاستهلاك الراشد. كما يتحدث في مقام آخر عن حصة الفرد الجزائري في استهلاك اللحوم التي لا تتعدى 3 كلغ في السنة، داعيا إلى ترقيتها بوضع مخطط وطني لترقية استهلاك اللحوم في مجتمعنا. نبدأ حوارنا من زاوية الثقافة الاستهلاكية للحوم المجمدة، هل هي مُفعلة حقيقة في مجتمعنا؟ للأسف لا، هناك نسبة واسعة من الأسر لا تدرك كيفية اقتناء اللحم المجمد وحفظه وحتى طبخه، هذا اللحم له طريقة طبخ خاصة من منطلق أن توابله خاصة أيضا، لكن للأسف، المستهلك لا يدرك هذا تماما، هل نقول بأن الأمر سببه قلة وعيه الاستهلاكي؟ أو ربما بسبب تقصير جهات معينة، منها الجمعيات العاملة في المجال؟ لا ندري ربما الاثنان معا، لكننا كاتحادية وطنية للحوم البيضاء والحمراء أخذنا مبادرة التحذير من مخاطر الاستهلاك غير السليم للحوم المجمدة منذ بداية عام 2000، وهي السنة التي عرفت دخول اللحوم المجمدة إلى السوق الجزائرية، و ما زلنا إلى يومنا نعمل في نفس المجال ومجالات أخرى.
منذ تلك السنة إلى اليوم، هل عرف استهلاك اللحوم المجمدة إقبالا أو تراجعا؟ يمكن القول بأنه عرف إقبالا كبيرا في بداية الألفينات، خاصة مع ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء والحمراء الطازجة، ثم عرف نوعا من الاستقرار في السنوات الأخيرة، ربما يرجع ذلك إلى وعي الأسر بأن اقتناء رطل من اللحم الطازج أحسن من كيلوغرام لحم مجمد، هنا لا بد لي من التركيز على مسألة حساسة جدا ومهمة للغاية، فاللحم المجمد له معايير وشروط صارمة في الحفظ والتخزين، ثم التسويق وحتى فرمه يخضع لمعايير صارمة، لكن للأسف، من التجار المروجين لهذا النوع من اللحوم من يقوم بفرم كمية من هذه اللحوم وتحضيره للبيع، خاصة بالنسبة لمحلات الأكل السريع التي تشتري كميات كبيرة منه للطبخ السريع، هذا خطر كبير لا يمكن تصور عواقبه على الصحة العمومية، أضف إلى ذلك محلات الشواء المتناثرة كالفطريات، خاصة على قارعة الطرق والطرق السريعة، حيث تعرض أسياخ اللحم على الزبائن كأنها قطع ملابس في «فيتْرينة» - كما يقال- والغريب أن الناس يقبلون على استهلاك المحضّر منها مسبقا وأغلبها من اللحوم المجمدة، فالوازع الأخلاقي للأسف مغيب عند الكثير من التجار، كما أن الوعي الاستهلاكي مغيب عند شريحة واسعة من المواطنين. هؤلاء، للأسف، يتصرفون وفق المثل الشعبي القائل ‘اللي ما يقتل يسمّن'.. لكن لا بد من التأسيس لثقافة استهلاكية راشدة وواعية قائمة على أسس سليمة، صحيح أن هذا دور الجمعيات المتخصصة وحتى اتحاديتنا المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، لكن هذا لا يكفي، لا بد للإعلام أن يرمي بثقله في هذا الأمر، كذلك المدرسة والمختصين في التغذية.. وغيرهم، هي حلقة متكاملة هدفها، طبعا، الحفاظ على صحة وسلامة المواطن. بالعودة إلى سؤالك، صحيح أنه يوجد إقبال معتبر على اللحوم المجمدة، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار اللحوم الطازجة الحمراء والبيضاء التي نتوقع أن ترتفع أكثر بحلول شهر رمضان، قد يصل الكيلوغرام الواحد من اللحم الغنمي حدود 2000 دينار والكيلوغرام الواحد من اللحوم البيضاء حدود 400 دينار، أعيد وأقول بأنها توقعات، لذلك نطلب من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارتا الفلاحة والتجارة، التنسيق الجدي لتفعيل آليات المراقبة والتنظيم أكثر فأكثر بما يسمح بتسقيف الأسعار خدمة لقدرة الأسر الشرائية، في ظل غياب الرقابة التامة من بعض الجهات المعنية من حيث النقل والتخزين في بعض المحلات التجارية الكبرى أو المحلات الأخرى.
قلتم بأن اللحم المجمد المفروم لوحده خطر.. كيف ذلك لتتضح الصورة للمستهلك؟ نعم بالتأكيد فهو خطير، إذا علمنا أن اللحوم المجمدة لا بد أن تسوق خلال فترة 10 أشهر من تاريخ الذبح، ولا يجب تجزئة اللحوم والدواجن والأسماك المجمدة في شكل قطع صغيرة إلا في المحلات المرخصة لذلك. فهل هذه الشروط محترمة؟ علامة استفهام. لذلك، أشير دائما إلى آليات المراقبة وتفعيلها من طرف المصالح المتخصصة، أما اللحم المجمد المفروم فبالطبع يخلق لوحده مشاكل كبيرة، فإلى جانب مشكلة فرمه مسبقا وعرضه للبيع، خاصة بالنسبة لمحلات الأكل السريع وغيرها، هناك أمر آخر، فربة البيت مثلا تقتني كمية 1000 دينار منه وهي كمية كبيرة، مما يعني أن السيدة تقسم استعماله مرتين غالبا- وهذا مكمن الخطر، حيث أن اللحم المجمد المفروم متى انتزع منه الماء أي بعد ذوبانه من مرحلة التجميد - لا يمكن إعادة تجميده أو استعماله لاحقا مهما كان الأمر أو كانت كميته كبيرة، لكن للأسف الشديد، هذه الأمور يتجاهلها المستهلك حتى وإن كان يعلمها وهو ما يضاعف من عدد الإصابات بالتسمم الغذائي.
بالحديث عن المواطن، ألا تعتقدون أنه أصبح اليوم مُخيرا أمام سوق محلية تمنحه فرصا واسعة للاستهلاك سواء السلع أو الأسعار؟ صحيح السوق اليوم تقدم امتيازات استهلاكية واسعة ومتعددة وحتى متجددة، لكن لا يخفَى عليكم أن القدرة الشرائية في تراجع، لعل ذلك ما يفسر إقبال البعض على شراء حصص من اللحوم الطازجة في الأسواق الشعبية أو على قارعة الطريق حتى وإن يشكل ذلك خطرا كبيرا، ومن الأسر من تجد في اللحوم المجمدة حلا آخر، لكن أعيد وأكرر القليل من الطازج أحسن من الكثير المجمد. وهنا أوجه ندائي القوي إلى ربات البيوت، اللحم المجمد لابد له من طبخ خاص وتوابل خاصة، أضف إلى ذلك ظاهرة «الرغوة» التي قد تظهر عند طبخ اللحم المجمد، هنا أطرح سؤالا: هل ربة البيت تدرك سبب ذلك؟ أكيد لا، وهنا لا بد من رفع الوعي بأن ظهور تلك الرغوة عند طبخ اللحوم المجمدة دليل على عدم صلاحيته للأكل، ونحن كمختصين نوضح أن الذبيحة التي جُمد لحمها وسوق فيما بعد، لم يخرج منها الدم بطريقة صحيحة وسليمة، وهذا هو مربط الفرس. سمعنا مؤخرا عن حديث حول تدويخ الماشية قبل ذبحها، وأقول بأن هذا خطأ، نحن دولة إسلامية والشرع واضح في مسألة ذبح الماشية، وندائي هنا إلى كل المذابح والمسالخ أن يتجاهلوا حتى الحديث عن هذه الفكرة مطلقا. لكنني تعمدت الحديث عنها لأبين أن الحكمة في قوله عليه الصلاة والسلام: «...فأحسنوا الذبح...» فذلك تفسيره بأن الشاة مثلا تذبح دفعة واحدة وهي واعية، كما نقول بالعامية ‘فاطْنة'، وفي اللحظة بالذات يندفع الدم إلى الخارج بقوة، حاملا معه كل الجراثيم والميكروبات ويبقى اللحم الطازج الموجه للاستهلاك البشري، لكن فكرة التدويخ خاطئة وأثرها يظهر في تصلب أو تجمد الدم داخل الذبيحة، بالتالي يشكل خطرا على الصحة، نفس الفكرة بالنسبة للحم المجمد.
هل القصد من ذلك أن اللحوم المجمدة قد تكون خطرا على المستهلك؟ أبدي تحفظاتي من اللحوم المجمدة المستوردة، وأعلل ذلك بعدم إدراك بعض باعة التجزئة للكيفية الصحيحة في حفظ وتقطيع هذه اللحوم وتسويقها.هذه اللحوم التي دخلت السوق الوطنية قبل أكثر من عشرية، لا بد أن تحفظ في مبردات في درجة مئوية 18 تحت الصفر. وبعدم توفر التجهيزات الخاصة بنقل هذه اللحوم يذوب منها الماء ويجعلها خطرا على الصحة، إن لم يتم استهلاكها خلال 24 ساعة عن ذلك، لأنه من غير الممكن إعادة تجميدها. لذلك أؤكد على أهمية أخذ إجراءات جديدة لحماية المستهلك، بإلزام أصحاب محلات الجزارة عموما على فصل اللحوم الطازجة عن المجمدة وعدم عرضها وبيعها في مكان واحد. فقد وصلتنا أخبار بوجود تلاعبات وغش في بيع اللحوم بقيام بعض العاملين سامحهم الله- بتذويب اللحوم المجمدة وعرضها على أساس أنها طازجة بهدف الاستفادة من فارق السعر. وهذا يدعوني في مقام آخر إلى دعوة وزارتي الفلاحة والتجارة على حد سواء إلى تنظيم دورات تكوينية خاصة ببائعي التجزئة للحوم المجمّدة، لتعريفهم بكيفية حفظها وتقطيعها، فأكثر هؤلاء الباعة لا يفقهون قوانين تسويق هذه اللحوم، وهو ما يخلق مشاكل صحية وخيمة العواقب، خاصة أن هذه اللحوم تلقى رواجا كبيرا في شهر رمضان، وحتى خلال إحياء المناسبات والولائم والأفراح، والإعلام يطلعنا بين الفينة والأخرى عن تسممات غذائية تحدث هنا وهناك وتكثر في موسم الأعراس، والسبب الأول استعمال اللحوم المجمدة.
في مقام آخر، ما هو معدل استهلاك الفرد الجزائري للحوم الحمراء أو البيضاء؟ النسبة قليلة جدا إذا ما قورنت بمعدل استهلاك الفرد الأوروبي، هذا الأخير يستهلك معدل 36 كلغ من اللحوم الحمراء والبيضاء في السنة، أما الفرد الجزائري فلا يستهلك سوى 3 كلغ من هذه اللحوم في السنة. وفي هذا المقام، أعتقد أن استيراد ملياري دولار من الأدوية سنويا، لو يقابله نفس السعر لدعم قطاع تربية المواشي والدواجن في الوطن، يعني لا محالة تحسن في تسويق واستهلاك اللحوم ويعني كذلك دعم صحة الأفراد، لأنه كما يقال الغذاء دواء. حتى استهلاك اللحوم المجمدة يصل سنويا في الجزائر إلى أكثر من 60 ألف طن، ومعلوماتي هنا صحيحة ومؤكدة، لذلك أضيف بأننا نستورد سنويا 100 مليون دولار من اللحوم المجمدة وهذه فاتورة كبيرة، ونحن كاتحادية وطنية للحوم الحمراء والبيضاء نقترح على الجهات المعنية أن يتم استيراد رؤوس الماشية ليتم استغلال لحومها وجلودها وصوفها، وهذا مكسب وربح لعدة جهات، ومن هنا ندعو وزارة الفلاحة إلى وضع مخطط واضح لترقية استهلاك اللحوم وإشراك الأطراف والجهات المطلعة على هذا الملف، قصد إثراء المخطط بالنقاش البناء الذي يصب في الأخير في مصلحة الوطن والمواطن.